٦- تنوير: ومما يجب التحفظ منه في المواضع التي يجب فيها التباعد عن الفحش وعن كل ما يتطرق به إليه وصون الكلام من جميع ما يكون فيه إذ كان بأمر الريب والرفث، التعرض إلى الأشياء التي يفهم منها ذلك، ولو بعرف عامي أو استعمال لأهل الهزل.
ومما يندرج في هذه الجملة قول المتنبي في أم سيف الدولة: (الوافر -ق-المترادف)
رواق العز فوقك مسبطر ... وملك علي ابنك في كمال
فلفظة مسبطر بعد قوله للمرأة فوقك قبيحة، ولاسيما بعد أن استعملها ابن حجاج حيث استعملها وعرف ذلك من قوله.
ونحو منه قول مروان ابن أبي حفصة في زبيدة بنت جعفر: (البسيط -ق- المتراكب)
يهزها كل عرق من أرومتها ... يزداد طيبا إذا الأعراق لم تطب
فلفظة عرق بعد قوله يهزها قبيحة بالنظر على ما هو متعارف عند العامة.
وقد كان بعض الشيوخ الذين أخذت عنهم هذه الصناعة يوصي باجتناب الألفاظ التي يفهم منها على حدتها أو مع ما يكتنفها معنى قبيح ولو بالعرف العامي.
٧- إضاءة: وإذا كان في اللفظة عرف في طريق من الطرق الشعرية فالواجب ألا تستعمل في مضاد ذلك الطريق، وذلك كقول حبيب: (الخفيف -ق- المترادف)
يا أبا جعفر جعلت فداكا ... بز حسن الوجوه حسن قفاكا
فالقفا ليس يليق غلا بطريقة الذم. وكذلك الأخدع والقذال. فاستعمال هذه الألفاظ في المدح مكروه.
٨- تنوير: ومن وضع الشيء موضع الشيء موضع ما يضاده ما وقع لكثير من تمني البؤس حيث يجب تمني النعيم في قوله: (الطويل -ق- المتدارك)
وددت وبيت الله أنك بكرة ... هجان، وأني مصعب ثم نهرب
كلانا به فمن يرنا يقل ... على حسنها جرباء تعدي وأجرب
إذا ما وردنا منهلا صاح أهله ... علينا، فلا ننفك نرمى ونضرب
فقالت له عزة: "لقد أردت بنا الشقاء! أما وجدت أمنية أوطأ من هذه!؟ ".
ومن أقبح المتمنى وأسوإ المذاهب في ذلك ما ورد في قصيدة أبي صخر في الفصل الذي أوله: "تمنيت من حبي علية، وهو مذكور في أمالي أبي علي وغيرها، فلا وغيرها، فلا معنى للإطالة بإيرادها.
٩- إضاءة: فكل هذه الأشياء، التي نبهنا عليها بهذا المعلم، من وضع ما لا يليق موضع ما يليق. وهو وضع غير مؤثر.
وإنما الوضع المؤثر وضع الشيء الوضع اللائق به، وذلك يكون بالتوافق بين الألفاظ والمعاني والأغراض من جهة ما يكون بعضها في موضعه من الكلام متعلقا ومقترنا بما يجانسه ويناسبه ويلائمه من ذلك.
والوضع الذي لا يؤثر يكون بالتباين بين الألفاظ والمعاني والأغراض من جهة ما يكون بعضها في موضعه من الكلام متعلقا ومقترنا بما يناقضه ويدافعه وينافره.
ولهذه الجملة تفاصيل قد وقعت الإشارة إليها في مواضع كثيرة من هذا الكتاب فليتأمل ذلك في مظان ذكره، وبالله التوفيق. و- معرف دال على طرق المعرفة بما تكون عليه المعاني من كمال أو نقص.
فأما الكمال في المعاني فباستيفاء أقسامها واستقصاء متمماتها وانتظام العبارات جميع أركانها حتى لا يخل من أركانها بركن ولا يغفل من أقسامها قسم ولا يتداخل بعض الأقسام على بعض.
١- إضاءة: وقد تقدم الإلماع بطرف من ذكر المتممات. ونحن نذكر في هذا الموضع كيف تقع المعاني كاملة باستيفاء أقسامها وانتظام العبارات جميع أركانها ومتمماتها حتى لا يقع فيها نقص ولا تداخل. فمن المعاني التي وردت القسمة فيه تامة صحيحة قول نصيب: (الطويل -ق- المترادف)
فقال فريق لا، وقال فريقهم نعم ... وفريق قال ويحك ما ندري
ومن المعاني التي وقع التقسيم فيها تاما صحيحا قول الشماخ: (الطويل -ق- المتدارك)
متى ما تقع أرساغة مطمئنة ... على حجر يرفض أو يتدحرج
لأن الحجر إن كان رخوا ارفض، وإن كان صلبا تدحرج. وليس لقائل أن يقول: إنه غادر قسما ثالثا، وهو أن تكون الأرض رخوة فيسوخ الحجر فيها، فإن الأرض إذا كانت بهذه الصفة لم يقع الحافر عليها وقوع اطمئنان واعتماد، فبقوله مطمئنة صحت القسمة وكملت.
ومن المعاني التي قسمت أتم تقسيم على جهة من التدريج والترتيب قول زهير: (البسيط -ق- المتراكب)
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
1 / 49