وقد قال أبو علي ابن سينا: "وقد كان يستعمل في طراغوذيا أيضًا جزيئات في بعض المواضع مخترعة على قياس المسميات الموجودة. ولكن ذلك من النادر القليل. وفي النوادر قد يخترع اسم شيء لا نظير له من الوجود ويوضع بدل معنى كلي".
وقد ذم ابن سينا هذا النوع من الشعر فقال: "ولا يجب أن يحتاج في التخيل الشعري إلى هذه الخرافات البسيطة التي هي قصص مخترعة". وقال أيضا: "إن هذا ليس مما يوافق جميع الطباع".
١٠- تنوير: فأما أغراض الشعر المنوطة بالجهات المذكورة، فإن العرب كانت لها فيها اختلاقات: منها اقتصادية، ومنها إفراطية. والإفراطية منها ممكنة، وممتنعة، ومستحيلة.
فالكذب الاختلاقي في أغراض الشعر لا يعاب من جهة الصناعة لأن النفس قابلة له، إذ لا استدلال على كونه كذبا من جهة القول ولا العقل. فلم يبق إلا أن يعاب من جهة الدين. وقد رفع الحرج عن مثل هذا الكذب أيضًا في الدين، فإن الرسول ﷺ كان ينشد النسيب أمام المدح، فيصغي إليه ويثيب عليه.
والكذب الإفراطي معيب في صنعة الشعر إذا خرج (من) حد الإمكان إلى حد الامتناع أو الاستحالة.
والإفراط: هو القسم الذي يجتمع فيه الصدق والكذب. فإن الشاعر إذا وصف الشيء بصفة موجودة فيه، فأفرط فيها، كان صادقا من حيث وصفه بتلك الصفة، وكاذبا من حيث أفرط فيها وتجاوز الحد. فهذا قد يجيء منه ما يستحسنه بعض أرباب هذه الصنعة.
وسيأتي تفصيل القول في هذا إن شاء الله.
فأما القسم الثالث وهو القول الصادق، فمنه القول المطابق للمعنى على ما وقع في الوجود، ومنه المقصر عن المطابقة بأن يدل على بعض الوصف ويقع دون الغاية التي انتهى إليها الشيء من ذلك الوصف. فهذا النوع من الصدق في الشعر قبيح من جهة الصناعة وما يجب فيها.
١١- إضاءة: فأغراض الشعر إذا منها حاصلة، ومنها مختلفة. والحاصلة منها ما تكون الأقاويل فيها اقتصادية وتقصيرية وإفراطية. وكذلك المختلفة تكون أقاويلها أيضًا اقتصادية وتقصيرية وإفراطية، والإفراطية: منها إمكانية ومنها امتناعية ومنها استحالية. يتركب منها عشرة أصناف: صنفان منها صادقان: ١- وهي الحاصلة التي أقاويلها اقتصادية، ٢- والحاصلة التي أقاويلها تقصيرية.
وصنف يحتمل الصدق والكذب: وهي الحاصلة التي أقاويلها إمكانية.
وسبعة أصناف كاذبة: ١- وهي الحاصلة التي أقاويلها ممتنعة ٢- والحاصلة التي أقاويلها مستحيلة ٣- والمختلفة التقصيرية ٤- والاقتصادية ٥- والإمكانية ٦- والامتناعية ٧- والاستحالية.
فهذه قسمتها بالنسبة على الصدق والكذب.
١٢- تنوير: وتنقسم من جهة ما يستحسن في الشعر ويستساغ، ومن جهة ما يستساغ ولا يستحسن، ومن جهة ما لا يستساغ ولا يستحسن، على عشرة أقسام: أربعة منها مستحسنة: ١- وهي الحاصلة التي أقاويلها اقتصادية ٢- والحاصلة التي أقوالها إمكانية ٣- والمختلفة التي أقاويلها اقتصادية ٤- والمختلفة التي أقاويلها إمكانية وقسمان منها مستساغان وغير مستحسنين، وهما: ١- الحاصلة التي أقوالها امتناعية، ٢- والمختلفة التي أقاويلها امتناعية أيضًا.
وأربعة منها غير مستساغة ولا مستحسنة، وهي: ١- الحاصلة التقصيرية ٢- والحاصلة الاستحالية، ٣- والمختلفة التقصيرية، ٤- والمختلفة الاستحالية.
فقد ثبت بهذا أن للاستساغة في الكلام الشعري ستة مذاهب، وللاستحسان أربعة مذاهب، وللصدق ثلاثة مذاهب.
كل هذه المذاهب الاستساغية والاستحسانية والصدقية يقع في جميع أنحاء الشعر الثمانية وهي: تحسين حسن له نظير، وتحسين حسن لا نظير له، وتقبيح قبيح له نظير، وتقبيح قبيح لا نظير له، وتحسين قبيح له نظير، وتقبيح حسن لا نظير له.
فالصدق في جميعها يدخل من ثلاثة مذاهب على ما بينته. وهو أكثر وقوعا في بعض هذه الأنحاء منه في بعض، كما تقدم.
1 / 24