جامعة هارفارد تعرض على كاسيرر أستاذية الفلسفة بها
ولكن هل كان هذا الإنتاج الفلسفي الممتاز ليغير من وضعه في بلده - ألمانيا - شيئا؟ كلا! فأمر الحياة في هذا الصدد عجب من العجب، فالألسنة جميعا تنطلق بتقديره والثناء عليه، حتى إذا ما كان الأمر أمر مناصب لم تتقدم إليه جامعة واحدة بمنصب الأستاذية، وترك الرجل العامل الجاد العميق ينتج الفلسفة الجديدة، وهو مغتبط بما ينتجه، والعالم من حوله مقدر لفضله، إلا أصحاب الكلمة في توزيع المناصب على مستحقيها. وكم يذكر لنا التاريخ حالات يجيء فيها العرفان والتقدير من غير الأهل. وهكذا كانت جامعة هارفارد بالولايات المتحدة أول جامعة ترسل إلى كاسيرر تعرض عليه كرسي الأستاذية في الفلسفة.
كتابه الصور الرمزية
ومضت السنون بعد ذلك بما فيها من أحداث الحرب العالمية الأولى، والعشرة الأعوام التي تلتها. وها هنا خرج كاسيرر على العالم بذروة عبقريته الفلسفية كلها، وأعني كتابه «الصور الرمزية». وسنعود إليه بعد قليل.
تنقله بين الجامعات
فانتخب على أثر ذلك أستاذا فمديرا لجامعة هامبرج. ثم نشبت الحرب العالمية الثانية، وهم بالهجرة من ألمانيا، فدعته جامعة إكسفورد أستاذا بها، وكذلك جامعة جنبرج بالسويد. وبعد أن قضى فيهما حينا، عبر المحيط ملبيا دعوة جامعة ييل
Yale
في الولايات المتحدة، ومنها إلى جامعة كولمبيا بنيويورك حيث وافاه الأجل عام 1945م، بعد أن أصدر كتابا أخيرا عنوانه «مقالة في الإنسان» (ترجم إلى العربية) لخص فيه معالم فلسفته كلها.
بين كاسيرر والفيلسوف كانت
قلنا إن كاسيرر - كغيره من فلاسفة هذا العصر - يعبر عن ثقافة زمنه التي محورها البعد عن التجريد، والتركيز على الإنسان في تعينه وفي وجوده الحي، ولكنه - على خلاف فلاسفة العصر - قد جعل ركيزته «عمانوئيل كانت
Bilinmeyen sayfa