Dürbünden Öte: Sosyal Hayatımızdan Eleştirel ve Eğlenceli Görüntüler
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Türler
ومشى هذا المتحمس إلى النافذة، فوضع نفسه في رأس الصف وهيهات أن يرضى متحمس أن يكون في المؤخرة، ولكنه ما كاد يمد يده بالنقود حتى سرت في الصف كله موجة احتجاج كانت أكثر شدة في آخره؛ وارتفع صوت من الوسط ينبه هذا المخالف: أرجو أن تأخذ دورك وإلا فما معنى أن كلا منا قد ارتضى دوره؟ - هذا ليس من شأنك ... أأنت مفتش؟ أأنت مراقب؟ - يا سيدي هذا لا يليق ... ارجع إلى موضعك من فضلك. - موش شغلك يا أفندي ... اشكني إلى مدير المصلحة.
وتحير هذا الذي يحتج ماذا يقول، ولكنه ما لبث أن صاح قائلا في غضب: «يظهر أنه ما زال بيننا «جليطة» كثير.» ونظرت فإذا بي منه تلقاء متحمس ثان في نهاية سن الكهولة، وأنا كما ذكرت لك أحب المتحمسين وأطرب أشد الطرب لرؤية تحمسهم.
وجاء أجنبي في تلك اللحظة فقصد إلى النافذة كما فعل المتحمس الأول؛ ولعله قد رأى مزاحمته فظن الأمر فوضى، وما كان ينبهه أحدنا حتى عاد إلى موضعه في ذيل الصف معتذرا عن خطئه، وفي وجهه حمرة شديدة من فرط الخجل.
وإذ ذاك نظر المتحمس الثاني إلى المتحمس الأول قائلا وهو يشير إلى ذلك الأجنبي: «ألا ترى؟ ذلك لأنه بني آدم.»
ولكن صاحبنا لم يتزحزح عن موضعه وكأنه يتمسك بمبدأ الثبات حتى الموت، وإلا فما له لا يبالي بضجر المتضجرين في الصف كله - إلا أنا بالضرورة - ولا يبالي بنظرات الازدراء تصوب نحوه في شدة كادت تجعل من في الصف جميعا ما عداي متحمسين؟
ولم يعبأ على الرغم من ذلك وظل متمسكا بمبدئه القويم ومد يده بالنقود إلى بائع التذاكر، فما أشد ما أخذه من حيرة إذ سمع ذلك البائع يقول له في هدوء: «من فضلك اذهب إلى موضعك.»
وثارت ثائرة هذا المتحمس، فقال في صوت أشبه بالصراخ وهو يضرب النافذة بقبضته: «أتمتنع عن بيع التذكرة؟» وتطلعت في فرح أحسبني أظفر برؤية متحمس ثالث، ولكن البائع ظل هادئا ونظر إليه مبتسما وهو يقول: «اشكني إلى مدير المصلحة.»
وتناول البائع النقود من كل مسافر حسب دوره في الصف، وظل «صاحبنا» في موضعه قرب النافذة متمسكا بمبدأ الثبات حتى الموت أو على الأقل حتى يسافر القطار! وكان يرشقه كل من أخذ تذكرته بنظرة ازدراء، حتى جاء دور المتحمس الثاني، وقد امتلأت نفسه إعجابا ببائع التذاكر وعدالته، فنظر نظرة نصفها إلى ذلك الذي لم تجده حماسته وقال متهللا: «والله ما يصلح أن يكون مدير المصلحة غيرك.» ثم صوب نحو خصمه الذي ماتت حماسته من الخزي نظرة شامتة، وهرول إلى حيث يقف القطار.
ومضيت صوب القطار، وبنفسي لو استطعت البقاء لأشهد ما عسى أن يأتي من تحمس جديد من جانب هذا الذي سوف يبقى إلى جوار النافذة حتى يتحرك القطار، يغيظه بائع التذاكر الذي يأبى أن يثار!
حجرة التحمس!
Bilinmeyen sayfa