Karanlığın Çatlaklarından: Hikayenin Henüz Bitmemiş Olması En Rahatsız Edici Olan Bir Mahkumun Hikayesi

Nahid Hindi d. 1450 AH
24

Karanlığın Çatlaklarından: Hikayenin Henüz Bitmemiş Olması En Rahatsız Edici Olan Bir Mahkumun Hikayesi

من شقوق الظلام: قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد

Türler

أكملت حديثي مع من كانت تخاطبه روحي: «إن حصل ذلك فسوف أستبدل ذاتي المهزومة المأزومة بأخرى تستعيد البصر حتى في كل هذا الظلام الدامس وأحيله نورا ساطعا.»

لا أدري لماذا حدثت نفسي هكذا، ولا كيف اتخذت هذا القرار؟! كان طلبا مخلصا وقرارا صادقا أتى من منطقة لم أتعامل معها من قبل وأجهل انتماءها، هل كانت من الوعي أو من اللاوعي؟ لا أدري، مع ذلك يبدو أن القدر صنع قراره وفقا لهذه اللحظة، ورأى من غير المناسب أن أشد الرحيل إلى العالم الآخر حينها. لعله رأى أنه ما زالت تعوزني أشياء كثيرة ولربما وجد القدر أيضا أني لا أصلح إلا أن أكون شاهدا على الجريمة فقط، لأني لا أحسن فعل شيء إلا قص الحكايا وحسب. أما الرحيل مع الأنقياء الذين يكتبون التاريخ ويروون شجرة الحياة بدمائهم؛ فهذا ثوب قد لا أستحقه مثلهم. ومهما كان السبب سواء ما ذكرت أو غيره فالنتيجة التي وقعت أن أمنيتي الصوفية قد تحققت وبقيت إلى هذا اليوم لأروي حكايتي التي لم تنته بعد كل فصولها.

إذن، صار علي الآن أن أنتظر مع الآخرين موعد المحاكمة التي تقرر مصيرنا، في زنزانة لم تكن تزيد على اثني عشر مترا مربعا. عددنا في أقل الأحوال ثلاثة عشر شخصا ونزيد عن ذلك أحيانا، يأتي البعض ويروح لكن نحن كنا سكانا دائمين قد استوطنا الزنزانة وألفناها جيدا وحفظنا كل أركانها وزواياها. باب حديدي ثلثه العلوي قضبان حديدية تغطيها ستارة من قماش بشكل دائم من الخارج لا يرفعها إلا رجل أمن ساعة يريد الحديث معنا.

في الغرفة شباكان؛ أحدهما شباك طويل وضيق جدا لعل عرضه نصف قدم تقريبا، وآخر على شكل مربع صغير جدا لا يتجاوز ثلاثة أرباع القدم المربع، لكنهما كانا جيدين لمرور الهواء والشمس بمقدار كاف بالنسبة لمعتقل كالذي نحن فيه؛ الأرض إسمنتية خشنة والجدران صفراء لا تسر الناظرين، والحقيقة أني لم أفهم أبدا كيف أن الأصفر لون يسر الناظرين سواء كان فاقعا أو باهتا، حتى قبل أن أرى هذه الجدران. كنت لا أستسيغ اللون الأصفر بخلاف الأزرق أو الرمادي اللذين كانا يشكلان لونين رئيسيين في أغلب ما أرتديه. بعد أن رأيت هذه الجدر الصفراء القبيحة ازدادت ثقتي بذائقتي في الألوان، ونأى أكثر وأكثر عني هذا اللون البشع الذميم.

أثاث الغرفة كان بطانيتين خضراوين رقيقتين لكنهما واسعتان، تكفي كل واحدة منهما لنفرين فرشتا على الأرض، وثلاث مثلها كانت تستعمل كغطاء، يدخل تحت كل واحدة منها أربعة إلى خمسة أنفار اعتمادا على العدد الموجود. أما الوسائد فكانت تتراوح ما بين نعل أو حذاء لم يصادر، أو أشياء أخرى لها ارتفاع لا بأس به يصلح أن يكون متكأ للرءوس. عند الباب وضع جردل ماء يطفو دائما على سطحه قدح لبن فارغ ليكون بمثابة الكأس الذي به نغرف ونشرب. ولحسن الحظ كان اللبن يصلنا بصورة دورية فكان خزيننا من هذه الكئوس جيدا وتوفره مضمونا بصورة مريحة. في حالات طارئة جدا استعمل هذا الجردل كمبولة حين كانت تطول الفترة كثيرا بين فرصة وأخرى لمراجعة دورة المياه، وعلى أي حال لم يحدث الأمر كثيرا، ولم يعترض أحد من المعتقلين في الزنزانة على هذا الانتفاع المقزز من الجردل؛ إدراكا من الجميع أن الحلول البديلة الأخرى غير متوفرة وأن التذمر لا ينفع في كل الأحوال. التذمر والشكوى لم يكونا مخرجا من أي أزمة على طوال التاريخ ولن يكونا كذلك اليوم؛ لذا الأمور كانت تعتبر جيدة وربما مثالية قياسا لغيرنا ممن كان يعيش في زنزانات أخرى وفي معتقلات بالغة السوء. قد تشمئز النفس من هذا الوصف للزنزانة، ولها كل الحق في ذلك كما أن لنا الحق كله في أن نعتبر هذا الوضع الغريب ظرفا مثاليا. الأمور نسبية وليس هناك من مطلق، وكل يرى الأشياء بهيئة تناسب موقعه، لا توجد حقيقة واحدة ولا صورة ثابتة ولا وصف مطلق لأي شيء في الوجود إن كان ذاتا أو معنى.

كنا نحظى بثلاث فرص للخروج من الزنزانة لقضاء حاجتنا بعد كل وجبة طعام، لكن هذا كان سببا للإزعاج المستمر؛ لأن مع كل وجبة من المحتمل جدا أن ننال حصتنا من الهراوة. وفي الحقيقة هو كيبل كهربائي صلب وليس هراوة، لكن نسميها هكذا مراعاة لما يظنه الناس عنها أو ما يسمونه باللهجة العراقية «صوندة». وفي الحقيقة إني لم أر صوندة تستعمل للتعذيب في أي من المعتقلات التي زرتها، بل كانت دائما إما كيبلا كهربائيا أو مواسير معدنية، وفي حالات خاصة كانوا يستخدمون «حديد زاوية» كما يسميه العراقيون، وهو الحديد المستخدم عادة في صنع الأبواب والشبابيك.

ربما كان الأمر حتى أكثر من ضربة واحدة، هذا بخلاف السباب والشتم والزعيق والصراخ غير المبرر، ومنغصات أخرى بعضها يأتي بلا أوامر من مرءوسيهم، بل هو مجرد مزاج حارس أمني قد يكون منع من التمتع بإجازته العادية فيصب تعكر مزاجه وتكدر نفسه علينا بأنواع الإهانة والإذلال.

بدأنا فصلا جديدا نشكل فيه عالما آخر جديدا خاصا بنا، نصنعه بطريقة بدائية لكنها كانت تحكي قصة إنسان يحاول أن يباعد جدرانا متدانية، وإن استمرت بالوقوف في محلها. امتد إلينا الشتاء حاملا معه ليالي طويلة في وقت كنا نعجز فيه عن العبور بين ضفتي النهار بلا ملل.

كيف لنا أن نغتال كل هذا الزمن الثقيل؟ لا كتاب نقرؤه ولا مذياع نسمعه ولا تلفاز نشاهده، كلها أضحت محظورات، بل من المستحيلات. هذه الأشياء تقع هناك بعيدا في ذاك العالم العجيب حيث الضوء والحرية والألوان، عالم صار حلما، خيالا وأوهاما. واظبنا لبرهة من الزمن على ازدراد ما حصل لنا في التحقيق وظروفه في أحاديث طويلة عريضة بتكرار كنا لا نخفي تأففنا منه؛ لذلك بدأ يتسرب ضجر وسأم منها، وصرنا نمقت هذه القصص؛ لأنها أحاديث غير ذات بال ولا أهمية لها، لا نجني منها شيئا سوى تكريس الهم الذي نحن نتوفر على قدر كبير جدا منه. إلى أن قدحت شرارة فكرة للتسلية، فكرة كانت جيدة وجديدة، لا أعرف برأس من لمعت ولا كيف قدحت في ذهنه أو من أين اقتبسها.

لم لا نحاول صنع شيء ما من بقايا الخبز يكون لنا تصبيرا وتلهية ولربما أيضا يواسينا؟ على الفور ازداد اكتراثنا بلب الصمون وغدا محط اهتمامنا وبتنا نولي له عناية فائقة حينما نتناول أيا من وجباتنا الثلاث، كنا نعزله في حرص حتى لا يضيع منه شيء ثم نرجعه عجينا، ومن بعد ذلك نعيد تشكيل هيئته بصنع خرزات نحاول أن تكون كروية الشكل قدر الإمكان، ومن ثم نتركها في مكان آمن بعيدا عن قدم تطؤها بالخطأ، وفي العادة كانت حافة الشباك الرفيعة الموضع المفضل لحفظها بعيدا عن هذا الدهس غير المتعمد. نتركها تجف هناك؛ لأنه المكان الوحيد الذي يمكن لها أن تتعرض فيه لأشعة الشمس في الزنزانة، ثم ننظمها بعد ذلك في خيط نستله من البطانيات الخضراوات التي نفترشها، وبذلك ننتهي من صنع مسبحة عجينية. إلا أنه - وبصراحة - لم يكن أحد يستخدم هذه المسبحة لأغراض دينية أو ترفيهية إلا القليل وفي أوقات نادرة؛ لأنها كانت صناعة رديئة سريعة التلف، وبالرغم من ذلك فإنها كانت مفيدة وتمثل انعطافا وتحولا مهما في حياتنا؛ لأن صنعها كان يبتلع الزمن بشراهة، وهو أمر رائع كنا نبحث عنه ووجدنا ضالتنا فيه. تقضية الوقت في اللاشيء كان يشكل عامل ضجر مزعج لنا، وظهور شيء يبدد هذا الملل لا بد أن يكون موضع ترحيب حقيقي من الجميع. كما تطلب صنعها منا أيضا الصبر؛ كان يولد فينا صبرا عجيبا في وقت نحن بأمس الحاجة لمزيد من الصبر، صبر يقوينا على ما نحن فيه.

Bilinmeyen sayfa