Nakilden Yaratıcılığa (Cilt 1 Nakil): (1) Tadvin: Tarih - Okuma - İntihal
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Türler
51
والمستوى الثاني المعنى، والمعنى لا يستورد ولا يفد لأنه يفيد الشيء. والشيء واحد، يفيد معنى واحدا. فالعالم
COSMOS ، والإنسان
ANTHROPOS . المعنى واحد وإن اختلفت التصورات والمفاهيم، وهو المعنى الخاص للعالم وللإنسان في كل حضارة ولدى كل شعب. والمستوى الثالث الشيء المفيد للمعنى والمعبر عنه باللفظ. وهذا أيضا لا استيراد فيه ولا إيفاد؛ فالأشياء لا تنقل. والمستوى الرابع هو الذي قد يحدث فيه تفاعل والتقاء بين حضارتين، مستوى التصورات والمفاهيم الخاصة بكل حضارة والتي قد تتزاحم وتتداخل وتتبادل لصالح الحضارة الناشئة التي في طور التكوين؛ فالعلة الأولى في علوم الحكمة خالق، والمحرك الأول يعتني بالعالم. وهي تصورات جديدة على التصورات اليونانية التي جعلت العالم يشارك العلة القديمة في بعض مظاهر قدمها سواء في الفكر أو في المادة، والتي جعلت العالم يتحرك نحو المحرك الأول عشقا دون تدبير أو عناية. ويتم التأثير باستمرار لصالح الألفاظ في الحضارة الوافدة؛ إذ تدخل إليها تصورات جديدة لم تكن فيها من قبل، وليس لصالح الحضارة الناشئة التي لا تستعمل الألفاظ المشاعة بعد عصر الترجمة حرصا على وحدة الثقافة، وثقة بالمعاني والتصورات والأشياء. ولا مشاحة في الألفاظ.
وقد يتعدى الحكم الخاطئ النقل والأثر إلى سوء الفهم والخلط والتوفيق الهجين بين الفلسفة اليونانية والدين الإسلامي، بين الحكمة والشريعة، بين العقل والإيمان، بين الفيلسوف والنبي، بين أرسطو ومحمد. إن أقصى إبداع لعلوم الحكمة هي الشروح والملخصات على أرسطو خاصة، صائبة أحيانا وخاطئة في معظم الأحيان، تخلط بين أفلاطون وأرسطو، بين أفلوطين وأرسطو، من عقلية لا تعرف النقد التاريخي أو الموضوعية العلمية. وهو أيضا حكم عام ومبتسر يحكم على ظاهر الأشياء. ويرجع الخطأ في الحكم إلى سببين: ذاتي يتعلق بعقلية المستشرق، وموضوعي خاص بطبيعة العمليات الحضارية التي تحدث في حالة التقاء الوافد والموروث في حضارة واحدة؛ فعقلية المستشرق عقلية مفرقة، تقوم على التمييز والفصل ورصد الاختلاف أكثر من رؤية التشابه إثر تجربة العصور الحديثة التي كشفت مخاطر الخلط بين الكنيسة وأرسطو، بين الإيمان والعقل، بين الدين والفلسفة، بين الكتاب المقدس المغلق وكتاب الطبيعة المفتوح. ولما كان المستشرق ابن حضارته فقد حكم على كل نتاج حضارة يقوم على الجمع بين الثقافات والتزاوج بينها، ورؤية العالم من منظور الوحدة أكثر من منظور الاختلاف بأن ذلك خلط وتلفيق وتوفيق، ويقوم على سوء فهم لأحد الطرفين، هو الغالب الوافد لتقريب المسافة بينه وبين الموروث. فأرسطو هو الفيلسوف النبي، حكيم اليونان، المعلم الأول، وسقراط أحد صوفية المسلمين، وهرمس هو النبي إدريس، وأفلوطين هو الشيخ اليوناني، فتقريب الوافد إلى الموروث أكثر من تقريب الموروث إلى الوافد؛ لأن الوافد يمكن تأويله بسهولة، في حين أن الموروث له قواعده وأصوله. وقد أمكن تقريب الوافد إلى الموروث عن طريق نسبة أعمال إلى أرسطو، تاسوعات أفلوطين، حتى يبدو كاملا، وبالتالي يصبح نموذج الفيلسوف الكامل، خاتم الأنبياء. كما أمكن تقريب الموروث إلى الوافد عن طريق التأويل العقلي للنصوص خاصة وأن علوم الحكمة قد وحدت بين الفلسفة والدين، بين الحكمة والشريعة، بين الوحي والعقل، استئنافا للاعتزال في جعل العقل أساس النقل، وتأكيدا لموقف الفقهاء، أن من قدح في العقل فقد قدح في النقل، وأن الاتفاق مع بداهة العقل وشهادة الحس والوجدان أحد شروط التواتر.
وهناك حكم آخر شائع يجعل الفلاسفة المسلمين مجرد دوائر منعزلة عن قلب الحضارة الإسلامية، تابعين لليونان، امتدادا للمشائية.
52
وهو مثل حكم المستشرقين مع اختلاف الدوافع. دافع المستشرق هو إثبات جدب الحضارة الإسلامية وخلوها من الإبداع. ودافع الممثل الجديد للأشعرية التقليدية في مصر والوطن العربي هو الدفاع عن علم الأصول بشقيه، علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، موطن الإبداع في الحضارة الإسلامية. وهو أيضا موقف بعض الفقهاء من المدرسة السلفية القديمة والحديثة من ابن حنبل حتى ابن تيمية وابن القيم ورشيد رضا. والحقيقة أن ذلك حكم ديني مسبق يقوم على الرد على المستشرقين وأخطائهم كما فعل مصطفى عبد الرازق من أجل الوقوع في خطأ مضاد، إثبات الأصالة على حساب التبعية بنفس سلاح المستشرقين، وهو إخراج الفلاسفة المسلمين من الدائرة. وهو إغفال لوظيفة الفلسفة بعد عصر الترجمة في التوحيد بين الموروث والوافد؛ فمن حيث طبيعة الحضارة الناشئة فإنها بعد أن انتشرت فوق رقعة الأراضي المفتوحة، نقلت ثقافات شعوبها إلى العربية، فأصبحت مزدوجة الثقافة، بين الموروث القديم والوافد الجديد، بين الأصل والفرع، بين الأنا والآخر. وكان من الطبيعي أن يخرج من بين المتكلمين المعتزلة من يتجرأ على الوافد باسم الموروث، ويحاول الجمع بينهما في ثقافة واحدة، درءا للتعارض بين النقل والعقل، وتأكيدا على وحدة الثقافة بين الداخل والخارج، بين التراث والتجديد بلغتنا، بين السلفية والعلمانية بلغة العصر، بين الأزهر والجامعة بلغة مناهج التعليم. علوم الحكمة إذن ليست دوائر منعزلة على هامش الحضارة الإسلامية، لا تمثل قلبها، منفصلة عن الموروث، تابعة للوافد، لم تبدع كما أبدع علم الأصول بشقيه، علم أصول الدين وعلم أصول الفقه. بل هي علوم تؤدي وظيفة حضارية محددة، وحدة الثقافة ضد ازدواجيتها. علوم الحكمة أشبه بالثغور للدفاع عن الحدود، في حين أن علم أصول الدين أشبه بالزوايا لتقوية الإيمان. الحكماء وزراء خارجية يتعاملون مع الخارج لصالح الداخل في ميدان العلاقات الدولية، مهمتهم الحفاظ على الأمن الخارجي وسلامة أرض الوطن. والمتكلمون وزراء داخلية مهمتهم الحفاظ على النظام والأمن الداخلي. ولا تعارض بين المهمتين، كلاهما ضروري لسلامة الدولة في الخارج والداخل. إن علوم الحكمة جزء من كل، وظيفتها التمثل والإخراج، والنقل والإبداع، واستيعاب الوافد في الموروث، ليس فقط من جانب الحكماء باسم الوافد، بل أيضا من جانب بعض الفقهاء باسم الموروث؛ فقد كتب ابن حزم، وهو الفقيه الظاهري المتشدد في علم الكلام «التقريب إلى حد المنطق والمدخل إليه» من أجل إرجاع أقيسة اليونان إلى أقيسة القرآن وأقيسة الرسول. وقد استعمل بعض الحكماء الوافد من أجل نقد الموروث كما فعل ابن رشد في «تفسير ما بعد الطبيعة» في استعمال النص الأرسطي من أجل نقد علم الأشعرية. أما وظيفة النقد والرفض والإبداع الموازي فإنها وظيفة علوم أخرى، قام بها الفقهاء الذين قاموا بنقد المنطق اليوناني الذي هو أساس الطبيعيات والإلهيات اليونانية. فكتبوا «الرد على المنطقيين» و«نقض المنطق» و«ترجيح أساليب القرآن على منطق اليونان». هناك إذن نوعان من الإبداع، الأول داخل علوم الحكمة ذاتها؛ فالنقل إبداع للمصطلحات وقراءة للنص المنقول وإعادة كتابة له. والشرح إبداع عن طريق تفتيت النص ومعرفة مكوناته العقلية. والتلخيص إبداع عن طريق إعادة تركيب النص، والقدرة على رؤية بؤرته، والغوص في قلبه، وإعادة التعبير عن قصده الرئيسي وحدسه الأولي. والتعليق إبداع لأنه نقل للوافد داخل الموروث، ومضغ الوافد لقمة لقمة حتى يسهل ابتلاعها قبل هضمها وتمثلها. والعرض إبداع لأنه تأليف في الوافد دون نصوصه وعرض لموضوعاته مباشرة دون توسط النص. والتأليف إبداع لأنه يتجاوز النقل ، ويتوجه إلى الأشياء ذاتها، ينظرها تنظيرا مباشرا بالاعتماد على المصدرين الرئيسيين للعلم، الموروث والوافد؛ ومن ثم كان الحكم بالنقل والتأثير والخلط والتوفيق من جانب الاستشراق أو بالتبعية لليونان وامتدادا للمشائية عند المسلمين من جانب الأصوليين المعاصرين حكما يكشف عن عقلية الحاكم وثقافته ودوافعه وأهدافه. ولا يقوم على تحليل موضوعي لظاهرة الالتقاء بين الثقافات، وتفاعل الحضارات، ومحاولة إخضاعها لمنطق علمي دقيق. «من النقل إلى الإبداع» إذن موجه ضد فريقين: الأول المستشرقون وأتباعهم من العرب الذين يرون علوم الحكمة مجرد نقل لفلسفة اليونان وامتداد للتراث اليوناني داخل التراث الإسلامي، حكما على ظاهرة اللغة، وتأثرا بالحضارة الغربية التي ترى أن اليونان هم الأصل، وبدافع النظرة الدونية للمركز إلى الأطراف؛ فالإبداع لا يكون إلا في المركز والأطراف ليس لها إلا التعليق والشرح. وإن كان لذلك فضل فهو في حفظ تراث الأصل اليوناني ونقله في العصر الوسيط إلى الغرب الحديث قبل أن ينقله الغرب بنفسه مباشرة بعد أن اكتشف نقص النقل الأول، زيادة ونقصانا، أو سوء فهم وخلط. والثاني الفقهاء القدماء والمحدثون؛ فهم الذين يعتبرون فلاسفة الإسلام مجرد دوائر منعزلة على هامش الحضارة الإسلامية، يكفرونهم ولا يرون لهم أي دور إلا في تبعية اليونان، بل والتآمر على العقيدة من الفلاسفة الباطنيين والانحراف بها عن فهمها الصحيح عند متكلمي أهل السنة.
يقوم «من النقل إلى الإبداع» على فرض عمل مغاير، أن الحكماء لم يكونوا تابعين للنقل ولا نقلة عنهم، بل كانوا مبدعين، نقلوا أولا من أجل التمثل، ثم أبدعوا ثانيا تأكيدا على وحدة الثقافة. وهم ليسوا دوائر منعزلة على هامش الحضارة الإسلامية، بل مفكرون على التخوم مزدوجو الثقافة، يد في الموروث ويد في الوافد، يد تبني ويد تحمل السلاح. يقوم «من النقل إلى الإبداع» على فرض أن الحكماء كانوا ضد التغريب؛ فاليونان القديم أصل الغرب الحديث. وقف الحكماء أمام الوافد بطريقة المحاور، الند للند، من أجل استيعابه وتمثله، والأوسع نظرا يستوعب الأضيق أفقا، والأكمل تصورا يحتوي الأنقص رؤية. جمعوا بين الموروث والوافد على عكس المتكلمين الذين يتعاملون مع الموروث فحسب باستثناء المعتزلة وأصحاب الطبائع خاصة، وطوروا علم الكلام من علم داخلي إلى علم داخلي وخارجي، مدافعين ليس فقط عن الأمن في الداخل، بل أيضا عن الأمن في الخارج، فالمتكلمون نصف فلاسفة، والفلاسفة متكلمون كاملون. «من النقل إلى الإبداع» قراءة داخلية لتفاعل الوافد مع الموروث، ورد الوافد إلى وظائفه الداخلية بصرف النظر عن مصدره الخارجي وشده إلى الموروث بدلا من شد الموروث إليه؛ فالمياه في المصب لا تعود إلى المنبع. (2) جدل اللفظ والمعنى والشيء
وظاهرة التشكل الكاذب تخضع لمنطق جديد يقوم على جدل ثلاثي بين اللفظ والمعنى والشيء، يحكم الالتقاء بين الحضارات؛ فالحضارة ثقافة، والثقافة فكر، والفكر خطاب، والخطاب لغة، شفاهية أو مدونة. ولما كانت الثقافات القديمة التي وجدت على الأراضي المفتوحة نصوصا مدونة وليست فقط محادثة شفاهية تم نقلها من السريانية، لغة نصارى الشام، إلى العربية، لغة الفاتحين الجدد، أولا ثم من اليونانية إلى العربية ثانيا، إحكاما للنقل، ومنعا للتوسط من لغة ثالثة، وحتى يكون الخطأ في النقل احتمالا واحدا، من اليونانية إلى العربية، وليس احتمالين، من اليونانية إلى السريانية، ومن السريانية إلى العربية. وتدل حركة النقل على عدة أمور: (1)
Bilinmeyen sayfa