İtikattan Devrime (2): Tevhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Türler
فإذا تأملنا الوحي نجد أنه أساسا قصد موجه من «الله» نحو «الإنسان» أو كلام مصاغ من أجل الإنسان. الله هو المرسل، والإنسان هو المرسل إليه. الشعور الإلهي قائم على قصد، وهو الحديث إلى الإنسان. يتجه الشعور الإلهي نحو الإنسان بفعل الكلام. وعندما نتحدث عن الوحي كمقصد من الله إلى الإنسان فإننا لا نستعمل لفظة «الله» للدلالة على شخص أو ذات أو قدرة مشخصة أو غيرها، بل نتحدث عن واقعة الوحي ذاتها. ولفظ «الله» ليس إلا لفظا عرفيا استعمله الناس للدلالة على معنى عام، ويمكن استعماله مبدئيا نظرا لسهولة استخدامه في إيصال المعنى، ولكنه ليس اسما بمعنى أنه يدل على جوهر.
11
وإذا أتينا إلى علم الكلام نجد أنه قد قلب الاتجاه وجعل الكلام هو قصد الإنسان نحو الله. فبدل أن يحلل عالم الكلام الوحي باعتباره قصدا من الله نحو الإنسان، فإنه يحلله باعتباره قصدا من الإنسان نحو الله. فيجعل عالم الكلام الإنسان هو المرسل والله هو المرسل إليه! علم الكلام إذن خارج عن قصد الله بل هو مضاد له. فبدلا من أن يفكر الإنسان في نفسه تشبها بالإله لأن الله يفكر في الإنسان بدليل إرسال الوحي، فكر المتكلم في الله وهو ما لم يفعله الله لأن الله لم يجعل نفسه موضوعا لعلمه. وإذا تحدث عن نفسه في الوحي فإنما يتحدث للإنسان ولصالح الإنسان وتأكيدا لقيم الإنسان ويصور الإنسان ولغته وفهمه وقدراته.
وفضلا عن أن الوحي اتجاه من الله نحو الإنسان، فإن موضوعه أيضا هو الإنسان. فالإنسان هو اتجاه الوحي وموضوعه، هدفه وغايته. ولما كان الوحي هو العلم الإلهي، كان موضوع العلم الإلهي هو الإنسان. إذا حللنا الشعور الإلهي وجدنا الإنسان بؤرته، فهو الاتجاه والغاية، هو المنبع والمصب. وإذا نفذنا إلى لب العلم الإلهي لوجدنا الإنسان موضوعه. يفكر الله في الإنسان بدليل حديثه له، ولا يفكر كما قال القدماء في ذاته لأن ذاته أشرف ما في الكون، وعيب عليه ونقص فيه أن يفكر فيما هو أقل منه شرفا وكمالا. ولكن بمنطق القدماء إذا كان الله يفكر في الموضوعات الشريفة يكون الإنسان هو أشرف الموضوعات بدليل حديث الله إليه ومخاطبته إياه، ولإرسال الرسل والوحي إليه، ويكون الإنسان هو الموضوع الرئيسي لعلمه، وبدليل خلقه سيد الكون ولمكا عليه، وتسخير كل شيء في الطبيعة له، وحمل الإنسان وحده الأمانة وقبوله طواعية هذا التكليف، والمركز المتميز كطرف في علاقة فريدة مع الله.
12
ولكن علم الكلام بعد تغييره لاتجاه الوحي وقلبه له من الإنسان إلى الله غير موضوع الوحي أيضا، فبدل أن كان موضوع الوحي هو الإنسان صار موضوعه هو الله، أي أن عالم الكلام أرجع إلى الله كلامه فجعل الله غاية الكلام وموضوعه، وهذا مضاد لقصد الله وعلمه. فقصد الله هو الإنسان، وموضوع علمه هو الإنسان، في حين أن عالم الكلام جعل قصد الله هو الله وعلم الله هو الله. بعد أن أعطى الله الوحي إلى الإنسان رده عالم الكلام إلى الله. عالم الكلام هنا جاحد بنعمة الله ومضر بمصلحة الإنسان. جعل الله نرجسيا لا يرى إلا ذاته، وجعلها ذاتا فارغا بلا موضوع آخر غيره.
هذا هو معنى أن علم الكلام علم مقلوب. فالوحي مركزه الإنسان من حيث إنه قصد الله وموضوع علمه، في حين أن علم الكلام جعل الله مركز الوحي وموضوع علمه. علم الكلام إذن علم مقلوب، رأسه إلى أسفل وقدماه إلى أعلى. فبدلا من أن يتطابق مع قصد الله وموضوع كلامه ووحيه وعلمه ويتجه نحو الإنسان، عارض هذا المقصد والكلام والوحي والعلم واتجه نحو الله بحركة عكسية مضادة. وباستعمال صورة مجازية إذا كان الوحي مقصدا «نازلا» نحو الإنسان، فإن علم الكلام قد قلب الوضع وجعله مقصدا «صاعدا» نحو الله. وعلى هذا النحو يأخذ تحريم الفقهاء له معنى جديدا، ويعطي له أساس فلسفي، ويتم الكشف عن سبب التحريم وعلته.
13
وهذا هو معنى أن الوحي «أنثروبولوجيا» وليس «ثيولوجيا»، أي أنه علم إنسان وليس علم إله. ولا تعني الأنتروبولوجيا أو علم الإنسان هذا العلم المعروف بهذا الاسم في عصرنا هذا في حضارة مجاورة غازية، دراسة لنشأة الإنسان «البدائي» وتطوره من الناحيتين البدنية والنفسية والاجتماعية والسياسية والقانونية واللغوية والحضارية ... إلخ، بل دراسة بنائية فلسفية من حيث هو إنسان وتحليل أبعاده ووصف وجوده. الإنسان عالم بأكمله. بل إن ما يحدث في العالم الخارجي لا يمكن فهمه أو ضبطه أو التعبير عنه إلا من خلال الإنسان. ليس الإنسان عالما صغيرا أمام عالم كبير، بل هو العالم ذاته صغيرا وكبيرا.
14 (2-2) من الكلام إلى الشخص
Bilinmeyen sayfa