İtikattan Devrime (4): Peygamberlik - Ahiret
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Türler
لذلك يؤثر البعض تصور الإسراء والمعراج روحيا خالصا، فهما صورتان فنيتان لتميز النفس عن البدن، ولصعود الروح إلى الملأ بحثا عن المعرفة وطلبا للسعادة، ورمزان للتعالي والمفارقة يشيران إلى يقظة الشعور، وإلى قدرته على التعالي والمفارقة. وهذا جائز على طريقة الفلاسفة، وما حاولوه من قبل في نظريات الاتصال بين العقل المنفعل والعقل الفعال، أو ما حاولوه من قبل في نظرية النبوة. وقد تمت هذه الرحلة الروحية في النوم لا في اليقظة، وتمت الرؤية بالروح لا بالعين. وعلى أقصى تقدير لم تصل الرواية إلى حد التواتر؛ وبالتالي لا تفيد اليقين. وإذا كان الإسراء من مكة إلى بيت المقدس قطعيا نظرا لإمكانية رؤية النفس عن بعد، فإن المعراج من بيت المقدس إلى السماء ظني.
3
وقد يحاول البعض تفسير ذلك علميا؛ بأن يماثل بانتقال إبليس من مكان إلى مكان، وبحركات الأفلاك السيارة، على قدر عال من السرعة، دون أن نشعر بها، وبصعود الجسم الخفيف إلى السماء؛ بسبب ضغط الهواء، أو حتى برجال الفضاء وهم يسبحون.
4
ومع ذلك تظل من جنس تأويلات الحكماء، ولكنها مرتبطة بنتائج العلم، وإليه يرجع الفضل في فهم السمعيات. ولما كان العلم نسبيا، متغيرا طبقا لتقدم العلم، أصبحت السمعيات كذلك، وغاب عنها طابع الإطلاق واليقين حتى ولو كانت متواترة. والرؤية موجودة في أصل الوحي في عمومها، وهي الإسراء فقط دون الإعراج، وما سوى ذلك من الآيات تؤخذ قياسا كما يفعل الصوفية، ويديرونها حول واقعة الإسراء.
5 (ب) عصمة الأنبياء
والحديث عن عصمة الأنبياء هو من مظاهر الحديث عن النبوة كشخص لا كرسالة، مع أن النبي مثل باقي البشر ينطبق عليه قانون الاستحقاق، وهو بشر معرض للصواب والخطأ، ولكن له ميزة التصحيح لإعطاء الدرس وتعليم الناس؛ فهو على اتصال دائم بالوحي، وسلوكه قدوة. الأنبياء بشر كغيرهم من البشر، ليس لديهم أية ميزة إلا أنهم وسائل تبليغ للرسالة. ولما كانوا هم أول من حققوها وطبقوها، فمن الطبيعي أن يكون سلوكهم هو السلوك الأمثل بالنسبة إلى الجماعة، فسلوكهم بهذا المعنى أكمل سلوك بشري؛ بدليل نجاح رسالاتهم، واتخاذ الجماعات لهم قدوة ومثلا، خاصة في السلوك العام الذي لا يؤثر في الرسالة في شيء.
ولكن هل يصل حد النموذج أو القدوة أو الأسوة إلى حد العصمة؟ وما هي العصمة؟ هل العصمة خلق من الله في النبي، وبالتالي هي هبة له من الله؟ لو كانت كذلك لكان النبي معصوما بالضرورة، ولما استحق أي فضل أو جزاء على عصمته. ولما كان السؤال نفسه ممكنا لغياب احتمال الخطأ أصلا، ولما كان الفعل موجودا للحساب؛ لانعدام حرية الإرادة منذ البداية، ورجوع أصل العدل إلى أصل التوحيد. هل هي ملكة نفسية تمنع من الفجور، وتحصل بالعلم بمثالب العاصي ومناقب الطاعات؛ وبالتالي تكون مكتسبة بجهد النفس وبعد معاناة؛ وبالتالي تستحق الجزاء؟ إذا كانت الملكة أقرب إلى الفضل واللطف والهبة والعون والتيسير، فهي أقرب إلى أفعال الله داخل أفعال الشعور الداخلية؛ وبالتالي لا تكون أفعالا حرة، ولا تستحق جزاء. وإن كانت أفعالا مكتسبة للإنسان بجهده وبناء على حرية إرادته، استحقت الشكر، وأصبح الخطأ فيها ممكنا؛ وبالتالي استحالت العصمة؛ بمعنى عدم الوقوع في الخطأ عمدا أو عن غير عمد.
6
ويعتمد إثبات العصمة على عدة حجج، منها ما يتعلق بالنبوة كنظرية في الاتصال؛ علاقة النبي بالله وهي الأضعف، ومنها ما يتعلق بالنبوة كتبليغ رسالة، وهي الأقوى. فإذا كان الله قد قرن بكل إنسان شيطانا، وأن الله أعان النبي على شيطانه، فأسلم فلا يأمره إلا بالخير، فذاك أيضا قضاء على حرية الفعل الإنساني أصلا؛ وبالتالي يضيع الاستحقاق. ووضع النبي في مرتبة أعلى من سائر البشر، أقرب إلى «الملائكة» منهم إلى سائر الخلق، فيستحيل التكليف؛ وبالتالي يستحيل الثواب والعقاب. ولا يرجع الفضل في العصمة حينئذ إلى الرسول بل إلى الله، وتكون هذه ميزة له وحده دون سائر الأنبياء، مثل داود وسليمان. وتظل حجة الخطأ قائمة طالما أن أفعالا خاطئة قد تمت، سواء صغيرة أم كبيرة، عن عمد أو عن غير عمد. وإذا كان الرسول قد تم شق قلبه من قبل لاستنزاع الشيطان مرة قبل البعثة من كراماته، ومرة بعد البعثة في بداية الإسراء والمعراج؛ فكيف يعود إليه من جديد كي يخطئ النبي، فيعينه الله عليه ويعصمه منه؟ أما الحجج الأخرى المتعلقة بالنبوة كتبليغ رسالة فهي أقرب إلى العقل، ولكن يمكن أيضا ردها. صحيح أنه لو صدر عنهم الذنب لحرم اتباعهم، ولو أذنبوا لردت شهادتهم؛ فلا شهادة لفاسق، ولو صدر عنهم لوجب زجرهم؛ لعموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكانوا أسوأ حالا من العصاة، لا يألون عهد الله، ولكانوا غير مخلصين، ولا يكونون أنبياء، ولكانوا من حزب «الشيطان» وليس من «حزب الله» مع أن الله وصفهم بأنهم يسارعون إلى الخيرات، ولكن ذلك كله يقوم على افتراض مسبق، وهو أن النبي أكثر من بشر، ولا يجوز عليه ما يجوز على سائر البشر من خطأ وسهو ونسيان، مع أنه بشر رسول؛ يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، وابن امرأة كانت تأكل القديد. صدقه من صدق رسالته، وتصديق الناس له من تصديقهم لها. التوحيد أصل والعدل أصل آخر؛ في التوحيد الله قادر على كل شيء، وفي العدل الإنسان حر الإرادة، مستقل العقل، يخطئ ويصيب، كما يجوز عليه الصحة والمرض، القوة والضعف، الشباب والشيخوخة، الحياة والموت.
Bilinmeyen sayfa