İtikattan Devrime (4): Peygamberlik - Ahiret
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Türler
19
وتقدم العطايا في المرض على الوصايا، وتقدم من كل واحدة منها ما قدمه إذا عجز الثلث عن الكل؛ فإرادة المحتضر وقرار آخر لحظة في حياته في النهاية له الأولوية على نسب التوزيع للتركة، وكأن الإنسان حتى آخر لحظة قادر على الفعل الإرادي الخاص قبل القانون الصوري العام.
أما الميراث، أي ما تبقى من التركة، فليس هناك إلا القانون الصوري العام طبقا لنسق القرابة. ولا تعني القرابة هنا مجرد النسب والعصب والدم، بل تعني درجة الارتباط بالميت والشعور به؛ الفرح بحياته والحزن بموته، لا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى، بين الآباء والأجداد، بين الأبناء والأحفاد (النسب الطولي)، ولا فرق في ذلك بين أبناء الأعمام أو العمات (النسب العرضي)، ولا فرق في ذلك بين الزوج والزوجة بحكم العشرة المشتركة التي تعادل حكم القرابة والرحم، ولا فرق في ذلك بين العصبة والحلف، بين الحر والمولى المعتق.
20
أما الصدقة والدعاء والصلاة على الميت، فإن كل ذلك يدل على إمكانية استمرار فعل الإنسان حتى بعد الموت، من خلال فعل الآخرين فيه وأثرهم عليه، كما أن الإنسان بعد وفاته يكون له أثره على الآخرين من خلال أفعاله وسننه وأعماله وأفكاره، فكذلك للآخرين أثر عليه من خلال صدقاتهم ودعائهم وصلاتهم له، وهو حق الإنسان مردود إليه؛ فكما أدى الإنسان خيرا في حياته للآخرين، فإنهم يردون له الخير في مماته. فالصدقة تقع من الحي إلى الميت، وواجب الأنا تجاه الغير، واستمرار لفعل الميت وكأنه حي عن طريق الصدقة، بصرف النظر عمن يقوم بها كحركة جسدية. والدعاء، دعاء الحي للميت، يعني استمرار حياة الميت، وإعطاءه فرصة أخرى للفعل، هذا إذا كان دعاء للأحياء فعلا. أما إذا كان مجرد التعبير عن أمان بصدق، والتركيز على الأهداف بالقلب مما يخلق موضوعه الشعوري كشرط لإيجاد بالفعل، فالدعاء للآخر يكون من هذا النوع، استمرارا لأمانيه، وتركيزا لقلب الآخر عليها من أجل إيجادها. أما الصلاة على الميت فهي أيضا استمرار لحياة الميت وأثره في الآخرين، وكأن الميت ما زال يعيش في مجتمع المؤمنين ودائرة الأصدقاء. كل ذلك يعني التواصل لا الانقطاع. وبالرغم من أن الموت نهاية لفعل الفرد المباشر بالجسم، إلا أنه بداية لفعل الآخرين بالجسم امتدادا لفعل الميت واستمرارا لقصده. وقد يحدث التواصل بين الآخرين بصرف النظر عن المعتقدات النظرية؛ لذلك تجاب دعوة المظلوم حتى ينتصر من الظالم؛ ففي مقاومة الظلم وإقامة العدل يتساوى كل الناس.
21 (3) هل هناك ملاك للموت؟
وعلى الضد من اعتماد علم أصول الدين على علم الفروع والوفاء بحقوق الميت، يظهر علم أصول الدين على نحو غيبي خالص بالنسبة لملاك الموت. فنظرا لعظمة الموت وجلاله وهيبته كان الموت أصل نشأة الدين كله، ثم أصبح له ملاك، كما أن لله ملائكة نظرا لعظمته وجلاله، وكما أن للملوك أعوانا ووزراء. لما كان الموت حدثا ضخما في حياة الأفراد والجماعات، أصبح له ملك، وتم تشخيصه بالخيال. وملاك الموت عزرائيل، أي عبد الجبار،
22
عظيم الهيبة ضخم البنيان، رأسه في السماء العليا، ورجلاه في تخوم الأرض السفلى، ووجهه مقابل للوح المحفوظ، والخلق بين عينيه، وله أعوان بعدد من يموت، يرفق بالمؤمن ويعنف بالكافر. يظهر للمؤمن بصورة حسنة، وللكافر بصورة بشعة. يقبض أرواح البشر، الإنس والجن، ويقبض أعوانه أرواح البهائم والحشرات! وهو من رؤساء الملائكة، لا يجوز سبه، بل إن سبه كفر. كان يأتي لقبض الروح جهارا. ولما تصور في صورة شخص لقبض روح موسى، فقأ موسى عينه، فلم يظهر منذ ذلك الوقت. ولا يحكم على موسى؛ لأن موسى من الأنبياء الحكام! ثم أعاد الله عينه له. كان يقبض الروح بغير مرض، فكثر سب الناس له، فشكا إلى الله، فجعل الله الأمراض قبل الموت وعلة له يشغل الناس عنه. وهو آخر الملائكة موتا، الملائكة يموتون بعد النفخة الأولى ويحيون قبل الثانية! إذا جاء والعبد على عمل صالح يسهل الموت عليه، وإذا جاءه وهو على السواك يسهل أيضا عليه، وكأن العمل الصالح يعادل السواك في الفم! ومما يسهل الموت وما بعده من الأهوال صلاة ركعتين ليلة الجمعة بعد المغرب، وقراءة سورة الزلزلة بعد الفاتحة خمس عشرة مرة؛ فهي تعادل نصف القرآن. ويتضح من هذا كله أنها صور فنية للتعبير عن العظمة والهيبة والخشية والفزع والرغبة في الاطمئنان والتخفيف من آلام الموت. فاسمه يعني العظمة والجبروت؛ مما يتفق مع هيبة الموت. منظره مفزع؛ تعبيرا عن خشية الإنسان منه. جدار رأسه في السماء العليا، ورجلاه في تخوم الأرض، تعبيرا عن الضخامة، وأنه يملأ الأرض بجسده، ومحيط بكل شيء، بصرف النظر عن إمكانية الحركة لمثل هذه الضخامة، وعدم التناسب بين ملاك الموت وبين الإنسان من حيث الحجم، والتناقض بين المتناهي في الكبر والمتناهي في الصغر، وعدم الاقتصاد في الحجم، وعدم التناسب بين الوسيلة والغاية، بين الفيل والنملة. وإن وجود وجهه في مقابل اللوح المحفوظ تعبير أيضا عن الضخامة وعن العدالة؛ فاللوح المحفوظ به كل شيء، وكأن عزرائيل يقرأ منه آجال الناس، وينفذ ما فيها من انقضاء للأعمار. وإن أضواء الخلق بين عينيه يدل على أنه لا كم بعده؛ فالخلق عدد كبير، ولكنه قادر على احتوائهم بين عينيه والإحاطة بهم، حتى دون ذراعين، وكأنه قادر على الإطاحة بهم إذا ما حرك الجفنين أو الرمش الواحد! وهو بهذا الوصف رئيس الملائكة؛ فالموت له الكلمة النهائية في الحياة. وكيف يكون رئيسا على جبريل وهو حامل الوحي ومبلغ الرسالة؟ وهل الموت أعلى قدرا من الوحي؟ وكيف يكون الموت أعلى قدرا من الحياة لما كانت المحافظة على الحياة من ضمن مقاصد الوحي؟ وهو آخر الملائكة موتا تعظيما وإجلالا؛ فالقابض على الأرواح قادر على أن يكون أطول حياة من الآخرين. ومن الذي سيقبض روحه؟ هل سيقبض روح نفسه؟ هل سيميته الله؟ ولا يجوز سبه احتراما للموت؛ فالجليل والعظيم لا يسب، ولكن الإنسان القوي قادر على الوقوف أمامه وتحديه، بل ومنازلته وفقء عينه كما فعل موسى القوي. وإذا كان صاحب حكم فلا تثريب عليه ولا عقاب؛ فالإنسان يقهر الموت لو كان قادرا عليه. وإن إعادة الله لعينه من جديد لعود إلى الهيبة والاحترام له؛ حتى تخشع له النفوس. والناس أكثر احتراما للمبصر من الأعور. ويتضح صراع الفكر العلمي مع الفكر الغيبي الأسطوري في جعل الأمراض سببا متوسطا بين الإنسان وملك الموت؛ حتى لا يسبه الإنسان، ويجعله مسئولا عن إنهاء حياته، فينشغل الإنسان بالمرض عن ملاك الموت؛ أي بالعلم عن الدين! ويتضح الأساس الإنساني في نشأة الأسطورة في سب الإنسان لملك الموت، ثم شكاية هذا الأخير لله، ثم عقد المصالحة بين الاثنين عن طريق طرف ثالث وهو العلية. ولما كان للموت خشية ورهبة، فإن ملاك الموت يظهر بصورة حسنة للمؤمن، وبصورة كريهة للكافر، كما أن ملك الموت يرق مع المؤمن في قبض روحه، بينما يعنف مع الكافر، وكأن الحساب قد بدأ من قبل، وكأن الحكم بالثواب والعقاب قد صدر قبل الاتهام، وقبل الدفاع، وقبل الشهود، وقبل المحاكمة! وإذا كان العمل الصالح طريقا لتخفيف أهوال الموت، بما في ذلك قراءة القرآن، فلماذا سورة بعينها في وقت معين، وكأن الأمر مجرد حجاب أو أحجية أو تعويذة تقي الإنسان من الشر؟ وكيف يكون السواك على مستوى العمل الصالح وقراءة القرآن، وهو أقل تقوى وصلاحا، ومجرد اقتداء شكلي بعادات الرسول، أو تمسك بنظافة الفم والجسد، وطهارة الروح أولى؟ وإذا كان ملك الموت قابضا لأرواح البشر تكريما لهم، بالرغم من صعوبة أن يتم ذلك كله في وقت واحد وفي مكان واحد لعديد من الناس يموتون في وقت واحد في أماكن مختلفة، فإن أعوانه يقبضون أرواح البهائم والحشرات مع أنها غير مكلفة، لا تفرح لثواب، ولا تخشى من عقاب.
23
Bilinmeyen sayfa