İtikattan Devrime (4): Peygamberlik - Ahiret
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Türler
ثالثا: دوام الاستحقاق
فإذا ما ثبت قانون الاستحقاق من حيث المبدأ، فإنه يكون في حاجة إلى إثبات آخر من حيث الدوام حتى يتضمن الاستحقاق دوام الثواب والعقاب. وهل ينقطع الثواب والعقاب؟ هل الاستحقاق على التخليد أم على العفو؟ وقد طرح السؤال بمناسبة عقاب مرتكب الكبيرة. فالكبيرة هي الفعل الذي يكون عقابه أكثر من ثوابه، على عكس الصغيرة ؛ هي الفعل الذي يكون ثوابه أكبر من عقابه. تبين الكبيرة قلة الاكتراث بالفعل وحطة العدالة، في حين تبقى الصغيرة على حسن الظن ولا تحط بالعدالة. الكبيرة ما قرن بها حد أو لعن أو وعيد بنص الكتاب والسنة، ما توعد به الله والرسول، وما دون ذلك فهو صغير.
1
يدخل في تعريف الكبيرة إذن الوعد والوعيد لما كانت الكبيرة ما قرن بها الوعيد؛ لذلك كان دوام الاستحقاق هو لب الكلام في الوعد والوعيد، وهي المسألة المعروفة باسم «بيان أجل الوعيد»، كما يدخل في تعريفها العمد والإصرار، ويتحدد العمل الكبير الخارج على النظر بمقدار الأثر السيئ الذي يحدث منه بعد تحققه، والحكم السيئ التابع له. وهذا هو معنى الفسق؛ فالفسق في اللغة هو الخروج، وفي الشرع الخروج عن الاستقامة؛ أي عن طاعة الله بارتكاب الكبيرة، باشتراط عدم التأويل. ولا يهم معرفة الكبائر؛ فذاك موضوع علم الفقه. وقد يوضع الموضوع أيضا في الأسماء والأحكام؛ أي المنزلة بين المنزلتين، ولكنه هنا يكون بالنسبة لاستحقاق الثواب والعقاب، وليس لمعرفة الإيمان والعمل والدرجة المتوسطة بينهما. والتمييز بين الكبيرة والصغيرة وارد في تحليل الأفعال الإنسانية، ولكن السؤال الأهم هو: هل تصبح الصغائر بانضمام بعضها إلى البعض من الكبائر؟ هل يتحول التراكم الكمي إلى تغير كيفي؟ إن خروج الفعل من النظر مرات عدة لا يتراكم فيصبح فعلا واحدا أكبر؛ فكل فعل له وجوده الخاص القائم على بناء شعوري خاص؛ فاجتماع عدة أفعال عملية حساب عقلي، وليست عملية تحقق شعوري، كما أن اجتماع أفعال كبيرة لا تجعل صاحبها كافرا؛ لأن تكرار الكبائر كأفعال لا يقضي على صحة النظر.
2
ولا تعرف الصغائر بأعيانها، بل بمبادئها؛ فالصغائر لا متناهية من حيث الكم، في حين يمكن إدراك معانيها من حيث الكيف. (1) دوام الاستحقاق وشرطه
ويعرف الدوام والانقطاع في الاستحقاق بالعقل قبل ورود السمع، وقد يعرفان بالسمع أيضا تأكيدا لوجوب العقل؛ فالتوحيد والعدل أصلان عقليان تستحق معرفتهما الثواب. أما إذا عرفا بالسمع وحده فاحتمال نقضه بسمع آخر وارد؛ وبالتالي ينقطع الاستحقاق. إذا كان العقل أساسا للنقل فإن الوحي يتحول إلى وحي إنساني خالص، وقانون عقلي دائم يستحيل فيه الانقطاع، فيدوم الاستحقاق، ثوابا وعقابا. أما إذا كان النقل أساس العقل، فاحتمال التأويل وارد؛ وبالتالي التخصيص والاستثناء في الوعيد. بالعقل تكون أحكام الأفعال عامة شاملة على التخليد، وبالنقل تكون خاصة مستثناة على العفو. ولا فرق في العقل بين الأفعال؛ أفعال الجوارح أم أفعال القلوب، أفعال الحسن والقبح أم أفعال الإيمان والكفر. وقد تستثنى أفعال الشعور الداخلية، ولا تبقى إلا أفعال الشعور الخارجية موضوعا للاستحقاق. ولا يهم في الاستحقاق كم العذاب، بل المهم هو وقوعه كنتيجة للأفعال القبيحة. ويستوي في المعرفة العقلية الثواب والعقاب خشية أن تكون معرفة الثواب بالعقل وحده، في حين أن معرفة العقاب وهي الأخطر لا تتم إلا بالسمع. وقد يصاغ السؤال بطريقة أخرى، وذلك بالتمييز بين التنزيل والتأويل؛ فالتنزيل حكم العقل والتأويل حكم السمع.
3
دوام الاستحقاق إذن عقلي ونقلي معا، والعقل أساس النقل؛ فكل فعل له رد فعل، وكل فعل له نتائجه من نوعه. وقد أخبر الله بدوام الاستحقاق، فإن انقطع كان خبرا كاذبا وهو محال. وإذا علم المستحق بانقطاع الاستحقاق ثوابا أم عقابا، فقد يكون ذلك تثبيطا لعزيمة المطيع، وتشجيعا للعاصي على العصيان وإغراء له به، وهو قبيح مناقض لقصد الدعوة وهدف الرسالة. وإذا كان استحقاق الثواب منفعة، واستحقاق العقاب مضرة، فإنه يستحيل الجمع بينهما في فعل واحد. وينطبق الحكم على الأفعال وحدها، وليس على أسسها النظرية (الإيمان والكفر)؛ فالاستحقاق للأفعال وليس للتصورات، والنيات تدخل مع الأفعال وليست مع التصورات؛ فالأفعال لها صفاتها الموضوعية في ذاتها، بصرف النظر عن التصورات التي تقوم عليها، والحكم على التصورات هو مزايدة في الاستحقاق، بل وإنكار للأفعال المستحقة إذا ما قامت على تصورات نظرية مخالفة، وقد تصاغ حجج عقلية جدلية تقوم على القسمة، واستحالة وجود قسمة لانقطاع الاستحقاق. فإما أن يعفى عن العاصي أم لا؛ فإن لم يعف عنه دخل النار أبدا، وإن عفي عنه؛ فإما أن يدخل الجنة أم لا، ولا يصح أن يدخل الجنة لأنه ليس مطيعا، ولا وسط بين الجنة والنار، ولأن دخول الجنة لا يكون إلا عن استحقاق، ولو لم يستحق العقاب على الدوام لما قبح عذاب الفساق وخلودهم في النار. والعقاب كالذم يثبتان معا في الاستحقاق، ويزولان معا، ولا يجوز إثبات أحدهما دون الآخر. ولما كان الذم يستحق على الدوام، فكذلك يكون العقاب مستحقا على الدوام. وقد تصاغ حجج لغوية مستمدة من عموميات الوعيد.
4
Bilinmeyen sayfa