İnancından Devrime (1): Teorik Girişler
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Türler
25
كما يحرم التقليد على العامي للعالم من حيث هو فرد، أما إذا كان سؤالا عن دلالة واسترشادا برأي فإنه لا يكون تقليدا؛ فالعامي قادر بفطرته على إدراكه. وغالبا ما يكون هذا الاسترشاد عمليا عن طريق القدوة وليس نظريا. بل إن طريق التطور ومسار التقدم في إلغاء هذه القسمة للجماعة إلى عامة وخاصة، وهي لا توجد إلا في المجتمعات المتخلفة التي تتسم بأمية الأغلبية وبعلم الأقلية؛ مما يسبب تضليل الأغلبية وحجب الحقائق عنها أو تشويهها، وشراء الأغلبية لحساب الأقلية، وهي في الغالب السلطة السياسية؛ دفاعا عن مصالحها ضد مصالح الأغلبية وحقوقها.
وبالرغم من سقوط المقدمات النظرية، واختفاء نظرية العلم وضمورها، إلا أن رفض التقليد ظل قائما باعتباره الجانب السلبي في نظرية العلم؛ فإيمان المقلد لا يجوز، والتقليد ليس مصدرا من مصادر العلم ولا أصلا من أصوله. كما حرص الفقهاء على نقد التقليد في علم الأصول بفرعيه علم أصول الفقه وعلم أصول الدين؛ فقد قام الوحي ذاته على البرهان والنظر ولم يكتف بدعوى الرسول، وبالتالي يكون عدم الاكتفاء بالتقليد أولى، دعا الوحي إلى إعمال النظر وترك التقليد حتى تثبت المسئولية وتصح المساءلة.
26
ويتفاوت حكم المقلد بين الإيمان والعصيان والكفر على سبيل الإطلاق أو على سبيل التقييد.
27
والحقيقة أن القول بصحة إيمان المقلد وتحريم النظر لم يتبنه إلا القليل؛ لأنه لا يقوم على دليل نقلي أو عقلي. ويخرج على الإجماع الذي يرى أن التقليد إثم وعصيان بشرط وجود الأهلية وهي القدرة على النظر. ولقد أخذ القدماء حكم الوسط لأن التوازن بين التقليد والنظر كان قائما في حياتهم، ولم تكن خطورة التقليد ماثلة في حياتهم كما هي الآن ماثلة في حياتنا. أما الآن، والناس تؤمن بالتقليد، وتمارسه في حياتها، ولا تستدل على صحة إيمانها أو تطلب اليقين فيه، فإن اعتبار المقلد كافرا أكثر إيقاظا للناس، وأقوى صدمة لهم. إن المحك في الحكم هو حالنا الراهن، ومأساتنا هي التقليد، وعدم إعمال النظر كحكم شرعي أو كوضع اجتماع والحكم بكفر المقلد يعبر عن ضرورة اجتماعية. وقد أصدره القدماء والمحدثون لإيقاظ المقلدين وحث الهمم على النظر والاستدلال، كما حدث في فكرنا الاعتزالي القديم وفي فكرنا الإصلاحي الحديث، وهو أقوى من حكم المكروه لأن طبيعة المرحلة التاريخية التي نمر بها تجعل التقليد أكبر عائق على التقدم وعلى إعمال العقل. ففي المجتمعات الغارقة في التقليد مثل مجتمعاتنا المعاصرة يكون إصدار الحكم على التقليد بالتحريم أقوى صوتا وأشد إيقاظا للمقلدين . التقليد مظهر من مظاهر التخلف وأحد أسبابه في آن واحد، وسبب مباشر لطغيان السلطتين الدينية والسياسية وسيطرتهما على رقاب الناس. لا تهم أحكام التقليد من ثواب أو عقاب خارج الدنيا، بل الذي يهم فاعليتها لإيقاظ الهمم في هذه الدنيا. للأحكام الشرعية غايات عملية وصدق مادي في الدنيا. ولما كانت حياتنا المعاصرة يغلب عليها التقليد، بل وأشنع أنواع التقليد؛ تقليد الرؤساء الذين لا هم بالعلماء ولا بالفضلاء ولا الأنبياء، بل وتعدى التقليد إلى النفاق والمدح وأصبح رياء ومداهنة. وأصبح الدافع على التقليد ليس طلب النصح والاسترشاد برأي الآخرين، بل تحقيق مصلحة عاجلة أو درء خطر حقيقي أو متوهم؛ فإن تحريم التقليد واجب قومي وشرعي. وقد كان القدماء على وعي بذلك فأجمعوا على رفضه، وكانوا أكثر تقدما مما نحن عليه الآن بدفاعنا عنه واتهامنا لكل من يخرج على التقليد بالخروج والمادية والإلحاد والتبعية والعمالة.
28 (4) المطابقة في العلم
وبعد أن رفض القدماء مضادات العلم من شك وظن ووهم وجهل وتقليد، لم يبق إلا العلم. ومهما عسر تحديد العلم، فإن الإنسان قادر على أن يصل إليه حتى ولو بأبسط الطرق، وهو طريقة القسمة والمثال؛ مما يدل على أن تأسيس العلم ممكن وأن إقامة نظرية في العلم ممكنة.
29
Bilinmeyen sayfa