İnancından Devrime (1): Teorik Girişler
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Türler
ويتحدد الاعتقاد عن طريق القسمة كالآتي: الاعتقاد إما أن يكون جازما أو مترددا، ولا توجد قسمة ثالثة يتوقف فيها الشعور عن أخذ موقف أو إصدار حكم؛ لأن ذلك تردد أيضا. والاعتقاد المتردد إذا تساوى فيه الطرفان كان شكا، وإذا غلب أحد الطرفين الآخر فأصبح الأول راجحا والثاني مرجوحا، فالراجح هو الظن والمرجوح هو الوهم. أما الاعتقاد الجازم فإن كان غير مطابق فهو الجهل (والمطابقة هنا مع الفكر والواقع على السواء، فهناك اتساق فكري وواقعي يشمل كل جوانب الموضوع)، وإن كان مطابقا بلا سبب فهو التقليد - فالتقليد مطابقة مع القديم بلا سبب - أو عن سبب إما بتصور الموضوع والمحمول معا في لحظة واحدة وهي البديهيات أو بالإحساس وهي الضروريات أو بالاستدلال وهي النظريات. المطابقة عن سبب هو العلم، والبداهة العقلية تسبق الضرورة الحسية، وكلاهما يسبق الاستدلال النظري. وبالتالي يكون تعريف العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق عن سبب بديهي عقلي أو بديهي حسي أو نظري استدلالي.
46
استطاع القدماء إذن صياغة نظرية في العلم تقوم على قسمة المنطق إلى منطق يقين ومنطق ظن. يشير منطق اليقين إلى المعرفة اليقينية؛ العقليات، والحسيات، والتجريبيات، والحدسيات، والعقليات، والمتواترات. ويشير منطق الظن إلى المعارف الظنية: الجدل، والمغالطة، والخطابة، والشعر. ويظهر هنا الاحتواء - احتواء قسمة الحضارة المجاورة - في وضع المتواترات كجزء من منطق اليقين، وفي وضع المستورات كجزء من منطق الظن، وفي ذلك لا يختلف علم أصول الدين في احتواء قسمة المنطق القديم عن علوم الحكمة.
47
ويمثل هذا التقسيم الذي صاغه القدماء تقدما بالنسبة لعقليتنا المعاصرة. لقد استطاع القدماء التمييز بين الاعتقاد والعلم، بين الاعتقاد الجازم وغير الجازم، وبين الاعتقاد الجازم المطابق وغير المطابق. ولكننا في حياتنا المعاصرة خلطنا بين هذه التمييزات بين العلم والاعتقاد. فكثيرا ما «نعتقد» أو «نظن» أننا نعلم بل وكثيرا ما يسود الاعتقاد حياتنا دون العلم؛ نظرا لغياب المطابقة مع الفكر أو مع الواقع؛ لذلك غاب التحليل العقلي من حياتنا، كما انعزلت اعتقاداتنا عن واقعنا الذي نعيش فيه. كما أننا لا نفرق بين الاعتقاد الجازم وغير الجازم؛ لأننا أقرب إلى الجزم في كل شيء، ونخشى من الشك والتردد في مواقف تحتم النظرة النقدية كما هو الحال بالنسبة للموروث أو أننا نشك أو نتردد في مواقف تحتم الجزم والحسم كما هو الحال في مواجهة السلطة، وحق الشعب في الرقابة عليها، وممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضرورة التصدي للقضايا المصرية، وعقد حوار وطني شامل حولها، قضايا تحرير الأرض، واسترداد الحريات المغتصبة، وإعادة توزيع الثروة، والوحدة والتجزئة، والتخلف والتقدم، والهوية والتغريب، وتجنيد الجماهير. كما لا نفرق بين الاعتقاد الجازم المطابق وغير المطابق؛ فكثير من اعتقاداتنا الجازمة غير مطابقة تعارض العقل والواقع والتاريخ، ونسلم بها تقليدا. أصبحت اعتقاداتنا متخلفة عن حركة الواقع وتطور التاريخ؛ مما دعا البعض منا إلى لفظ هذه الاعتقادات كلية من أجل اللحاق بحركة الواقع ومسار التاريخ؛ لم يكن أمامهم إلا هذا الخيار. ولا نفرق بين المطابق عن غير سبب مثل التقليد والإلهام والذي هو عن سبب وهي البديهيات العقلية والحسية والاستدلال النظري؛ فكثير من اعتقاداتنا الجازمة المطابقة تقوم على التقليد والإلهام، وتغفل البداهة العقلية والحسية والاستدلال النظري، وكثير مما نظنه بداهة عقلية أو حسية يصدر عن الذائعات وهي الشائعات أو المشهورات والمظنونات التي تروج لها أجهزة الإعلام تضليلا للشعوب ومحوا لرؤيتها المباشرة للواقع، وكثير مما نظنه استدلالا نظريا هو في الحقيقة تبرير يقوم به العلماء المأجورون لما تريده السلطة فيبيعون علمهم في سوق السياسة، ويتبارى العلماء في الصياغة وفي المهارة، وهي تقوم كلها على المغالطات. ما زال يمثل النسق العقلي القديم بالنسبة لحالتنا الراهنة تقدما، ويظل مقياسا لحياتنا العقلية المعاصرة.
48
فقد سادت في حياتنا مضادات العلم أكثر من العلم؛ أي الظن والوهم والجهل والتقليد باستثناء الشك لأن ما فينا من قطعية وجزم يمنعان ظهوره، وغاب منا النظر وطرقه.
ثانيا: تعريف العلم
لما كان علم الكلام «علما»، فإن السؤال يكون: وما هو العلم؟ وما تعريفه؟
1
Bilinmeyen sayfa