İnancından Devrime (1): Teorik Girişler
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Türler
5 (2) من الفرق إلى الموضوعات، أو من الموضوعات إلى الفرق
تظهر الفرق أولا وعلى رأسها فرقتا «أهل الزيغ والبدعة»، و«أهل الحق والسنة» كبابين مستقلين حتى يمكن مقارنة القولين معا، ثم بعد ذلك يتم الانتقال من عقائد الفرقتين إلى العقائد من حيث هي موضوعات مستقلة تحاول أن تضع نفسها في بناء العلم،
6
أما من حيث موضوعات العلم ذاته فلم تظهر بعد نظرية العلم ونظرية الوجود، وكأن ظهورهما قد حل محل الحديث عن الفرق، فالعلم بديل عن الإيمان، والوجود بديل عن العقائد، وكان ظهور هاتين النظريتين يمثل تقدما كبيرا في تحديد بناء العلم إجابة على سؤالي: «كيف نعلم؟» و«ماذا نعلم؟» ثم تظهر موضوعات العلم الأساسية بلا بناء واضح، ولكن تبدو موضوعات الإلهيات وقد شملت حوالي تسعة عشر جزءا من العلم، وتحظى السمعيات بالجزء العشرين مما يدل على أن الإلهيات كانت في ذلك الوقت في خطر عظيم في حين أن السمعيات لم تكن كذلك، وأن قوة الدفع في الحضارة كانت في أوجها، فلم تشغل الناس أمور المعاد بل شغلهم أمر التوحيد، وهذا ما تخلفنا نحن عنه الآن عندما سادت السمعيات وجداننا المعاصر من جديد، وفي الإلهيات يفوق التوحيد العدل من حيث الكم ويكون ضعفه، مما يشير إلى أن المخاطر نحو الله كانت أعظم من المخاطر حول الإنسان، وعلى رأس موضوعات التوحيد يبرز موضوع إثبات الرؤية لله بالأبصار، وإثبات قدم القرآن ثم إثبات باقي الصفات مما يدل على أن غاية العلم في البداية كانت إثبات الرؤية ضد منكريها، وإثبات الصفات ضد نافيها، ولكن يبقى العدل متميزا عن التوحيد ويمثل نصفه، أما السمعيات فلا تتناول إلا موضوعين: المعاد، والإمامة دون النبوة، والإيمان والعمل، ويحظى المعاد بثلاثة أرباع السمعيات، ولا تحظى الإمامة إلا بالربع الأخير، وهو ما ساد حتى الآن في العقائد المتأخرة وفي وجداننا المعاصر من سيادة أمور الآخرة، وهي أمور المعاد، على شئون الدنيا، وهي السياسة، كما أن عدم ظهور موضوع النبوة يدل على إمكانية قيام العلم في بدايته دونها، وليس كما حدث في العقائد المتأخرة من قيامها على محور الله والرسول، وهما أيضا ركيزتان في وجداننا المعاصر، أما سقوط الإيمان والعمل من السمعيات فإنه يدل على أن الموضوع لم يؤخذ مأخذ الجد، فلا عجب أن توارى من العقائد المتأخرة، وتحول إلى مضمون الإيمان، وهي العقائد التي يجب التسليم بها، وسقطت مقولة العمل، وهو ما نعاني منه في واقعنا المعاصر.
7
وفي مقابل الانتقال من الفرق إلى الموضوعات يمكن الانتقال من الموضوعات إلى الفرق، فلما كانت كل فرقة كلامية اتجاها فكريا أو يغلب عليها موضوع فكري أمكن تقسيم المادة الكلامية حسب الموضوعات، ثم إدراج الفرق تحتها، وكأن الفرق ما هي إلا حلول متعددة لموضوع واحد، الأصل هو الموضوع، والفرع هو الفرق، ولكن العيب في ذلك أن الموضوع لم يكن إلا رأس موضوع أو عنوان، والمادة كلها من اختلاف الفرق في هذا الموضوع؛ فالمادة الكلامية تعطي تاريخ فرق مقنع تحت ستار الموضوعات، ولكن الفضل يكمن في اكتشاف أن الفرق ليست مجرد تاريخ، بل تندرج تحت أصول فكرية أو موضوعات مستقلة؛ وبالتالي يمكن حصرها ورؤية جدلها فيما بينها، ولو تركت الفرق بلا أصول لما أمكن حصرها أو ضبطها؛ فبناء العلم سابق على تاريخ العلم، والموضوعات هو أساس التشعب والآراء، وقد نشأت الحاجة إلى الأصول من أجل ضبط الفرق إلى عيوب المنهج التاريخي الصرف الذي يكتفي بسرد الفرق وتوالدها عن بعضها البعض، فالتاريخ لا يمكن فهمه بدون الفكر، والحركات الفكرية لا يمكن إدراكها إلا بأنماط عقلية مثالية تكون هذه الحركات تجسيدا لها.
8
والأصول أربع: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والسمع والعقل؛ فالأصلان الأول والثاني استقرا فيما بعد في بناء العلم، ولكن الأصل الثالث وهو الوعد والوعيد يشمل مسائل عديدة يدخل بعضها في العدل في موضوع «أفعال الشعور الداخلية»،
9
والبعض الآخر في السمعيات مثل موضوع الإيمان والعمل الذي يأخذ اسم «الأسماء والأحكام»، وبعض مسائل المعاد، وأوائلها في الدنيا مثل التوبة والوعد والوعيد دون صورها الفنية من جنة ونار، وصراط وميزان، وحوض وشفاعة ... إلخ، أما الأصل الرابع، وهو السمع والعقل، فإنه يشمل موضوع العقل والنقل، وهو داخل الإلهيات مع الذات والصفات والأفعال في بناء العلم بعد اكتماله، ويشمل موضوعي النبوة والإمامة، وهما من موضوعات السمعيات، لا توجد إذن تفرقة في الأصول الأربع بين الإلهيات والسمعيات، تلك التفرقة التي حدثت في بناء العلم فيما بعد، وأصبح موضوعا النبوة والإمامة من الموضوعات العقلية لدخولهما تحت أصل السمع والعقل وليس تحت باب السمعيات كما هو الحال في بناء العلم المتأخر، بل إنه لأول مرة يظهر السمع والعقل كأصل مستقل عن التوحيد والعدل، وبالتالي يكون فكرنا المعاصر قد تخلف بفتحه بابا للسمعيات تبعا لبناء العلم المتأخر، وإسقاطه أصل السمع والعقل، كما تخلفت عقائدنا المتأخرة بإسقاط العدل وابتلاعه في التوحيد حتى لم يعد العدل موجودا في سلوك الإنسان أو في النظم الاجتماعية.
Bilinmeyen sayfa