İnancından Devrime (1): Teorik Girişler
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Türler
66
تدفع أمور الدنيا المكلف إلى النظر؛ إذ يعيش الإنسان في وضع اجتماعي يدفعه إلى النظر دفاعا عن حقوقه الضائعة. يكتسب الإنسان النظر إذا ما دعا الموقف، وتعود على النظر فيصبح حقا له. النظر في أمور الدين لا يتم إلا قياسا على أمور الدنيا، والنظر في أمور الدنيا هو نفسه نظر في أمور الدين. الأول بمنهج استقرائي والثاني بمنهج استنباطي. الخلاف في المنهج وليس في الموضوع. والمصلحة أساس للنظر والشرع على السواء. ولا يعني ذلك أن الأول ظني والثاني يقيني؛ إذ يمكن الوصول إلى اليقين في أمور الدنيا، كما أن كثيرا من أمور الدنيا تظل ظنية. ولما كان قياس الظن على اليقين ممكنا، فإنه يمكن الوصول في أمور الدين إلى اليقين قياسا على أمور الدنيا. واليقين هنا نظر وعملي معا. وإن استحال النظري يكفي العملي. الدين هو الدنيا، والدنيا هي الدين، لا فرق بين المنهج الصاعد للنظر في أمور الدنيا والمنهج النازل للنظر في أمور الدين. إن تحليل الواقع تحليلا علميا يؤدي إلى نفس النتيجة لفهم النصوص فهما سليما اعتمادا على اللغة والحدس وأسباب النزول والموقف الاجتماعي، حتى ولو كان إدراك المصلحة ظنيا في أمور الدنيا، فإن ذلك يحدث تبعا لتغير المصالح من مجتمع لآخر، ومن مرحلة تاريخية لأخرى. يمكن قياس أمور الدين على هذا الواقع الظني، ويكون ذلك تفسيرا للدين. فالتفسير تصور اجتماعي للدين في لحظة تاريخية معينة. ومع ذلك فإدراك المصلحة ليس ظنا بل يقين عملي.
67
قسمة موضوع النظر إذن إلى أمور الدين وأمور الدنيا قسمة ثنائية لا تقوم على واقع. أمور الدين هي أمور الدنيا، وأمور الدنيا هي أمور الدين. هناك موضوعات شعورية واحدة يحللها الشعور بصرف النظر عن مستواها من المادية أو الصورية ، وبصرف النظر عن اتجاه القصد. الإنسان واحد له شعور واحد، يعيش في عالم واحد. كما أن قسمة أمور الدين إلى قسمين شبهة ودلالة؛ قسمة تتعلق بتحليل الشعور أكثر مما تتعلق بالموضوع. فالشبهة تقع في الدليل (النص) والدلالة أيضا تأتي من تخريج النص فيما يتعلق بالحجة النقلية، وقد تعني الشبهة إزالة لبس منطقي. والدلالة هي الفطنة إلى كيفية الانتقال من أمرين إلى ثالث. ولا يعني ذلك انحيازا إلى المثالية، وتفسير الفكر بالفكر، وذلك لأن الشعور باعتباره ذاتا وموضوعا وصف لواقع حياته وتكوينه.
68 (ج)
موضوع النظر إذن هو التفكير في شئون الدنيا لما كانت شئون الدين قياسا عليها، قياسا للمعقول على المحسوس، وللغائب على الشاهد. والنظر في أمور الدنيا يقوم على دفع الضرر وجلب المصلحة. ومن ثم لا فرق بين علم أصول الدين وعلم أصول الفقه؛ إذ يقوم كلاهما على تحقيق المصالح العامة.
69
ولا يعني ذلك وقوعا في النفعية الخالصة، وذلك لأن المصالح العامة من موجبات العقول. هناك إذن مقياسان لصحة النظر: العقل والواقع، البداهة النظرية والمصلحة العملية. ولا يقال إن النظر في أمور الدين لا يجب إلا بدليل، ولا يجب إلا إذا أدى للعلم؛ ولأن الناظر فيه لا يأمن من الهلاك بعكس النظر في أمور الدنيا التي يعلم الضرر فيها؛ وذلك لأن النظر في أمور الدين يؤدي إلى الظن، ويعتمد على الأمارة لا الدليل، ولا يؤدي إلى هلاك أكثر مما يؤدي إليه النظر في أمور الدنيا. يقوم النظر في أمور الدين على التجربة والعادة مثل النظر في أمور الدنيا؛ لأن الداعي له تجربة الخوف من تركه عادة. ولا فرق بينهما من أن النظر في أمور الدين يخشى منه مضرة آجلة وليس عاجلة بعكس النظر في أمور الدنيا. فلا فرق بين المتأخر والمتقدم إلا من حيث الفور والتراخي على ما يقول علماء أصول الفقه. ولا فرق بينهما أيضا من أن النظر في أمور الدين يعتمد على دليل قاطع مثل قول الأنبياء، ولأن المعارف الضرورية لا تقل قطعا عن دليل الأنبياء.
ويصعب أن يكون النظر في أمور الدين موافقا ل «إرادة الحكيم»؛ لأنه يصعب معرفتها إلا من خلال الوحي؛ أي مناهج التفسير؛ أي باللجوء إلى علوم الدنيا، وهي أساس علوم الدين. ولا يتطلب النظر في أمور الدين وضوحا أكثر مما يتطلبه النظر في أمور الدنيا؛ فالبداهة الحسية والعقلية والوجدانية هي أساس الوضوح في أمور الدين والدنيا معا. ولا يتطلب النظر في أمور الدين كل الفروع في المسائل النظرية الواردة في النظر في أمور الدنيا، فالنظر في كليهما واحد من حيث الأسس العامة. ولا يعني وجوب النظر عند وجود الدواعي أن قول الداعي حجة، بل قد يتم الوجوب للفعل طبقا لمقتضيات الحاجة؛ فالضرر الواقع من ترك النظر في أمور الدين وأمور الدنيا واحد، ويعلم قبحه ضرورة. ولما وجب عقلا النظر في باب الدين، فوجب النظر في جميع الأفعال. ولا ينفي وجود معارف ضرورية عن طريق الإلجاء وجوب النظر؛ فالمعارف الضرورية أولى مراتب النظر.
70
Bilinmeyen sayfa