Akdiden Devrime İman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Türler
والرسول لا يتولى الإمامة بنفسه، ولا يوكلها إلى غيره، بل يقضي بها بعد إبلاغ الرسالة، ويقوم الإمام نائبا عن الأمة وليس خليفة للرسول. وفرق بين النبوة والإمامة، ولا قياس بينهما؛ فالنبوة تعيين ونص، في حين أن الإمامة عقد واختيار. وإذا اختص النبي بالعلم عن طريق الوحي، فإن الإمام يختص بالعلم عن طريق الاجتهاد. وإذا كانت وظيفة النبوة نظرية فإن وظيفة الإمامة عملية. النبي يبلغ الوحي ويعلم الشريعة، والإمام ينفذه ويطبقها. الاختيار إذن ليس حتما نصا من الرسول وإن كان كذلك، بل نابع من طبيعة العقل وضرورة المصلحة. وإن القول بالاختيار نصا مثل القول بالنص عقلا. ولا خوف من الخطأ في الاختيار؛ فالأمة لا تجتمع على خطأ، والناس أدرى بشئون دنياهم. وإن تحقيق المصلحة يكون طبقا للغالب، والاجتهاد في النهاية أصل من أصول الشريعة. وفي القياس أصول وقواعد تحميه من الخطأ وتحرسه من الوقوع فيه. وإن من شروط الإمام التقوى والورع اللذان يمنعان ازدواجية الظاهر والباطن؛ حتى لا ينخدع الناس في الاختيار. وإن جواز الوصية والعهد لا يطعن في جواز الاختيار؛ لأن العهد إنما هو اختيار مبدئي في حاجة إلى تصديق من اختيار الأمة في بيعة عامة بقبول جميع الناس ورضاهم. ولا حاجة إلى معصوم يعلم الناس كيف يختارون، فالاختيار يتم طبقا لشروط موضوعية في الإمام، ويحتوي على أكبر قدر من الصحة في الحكم، حكم الجماعة وليس حكم الفرد. وإن اختلاف الأمة إلى مذاهب وفرق لا يمنعها من الإنفاق على إمام، فالمصلحة العامة واحدة، والخلاف لا يفسد في الود قضية. ولا يحتاج الاختيار إلى ضبط آخر غير شروط الإمام وصفات المتعاقدين، ولا توجد إلا رقابة الأمة، ولديها أدوات لخلع الإمام والثورة عليه. وإن خطأ الإمام محدود بالاجتهاد، ومصحح بالرقابة عليه والتذكير والنصح له.
42
وقد تثار شبهات حول طبيعة الاختيار والتناقضات فيه، وهي كلها وهمية يسهل إزالتها. فإذا كان الإمام واجب الطاعة فإن الاختيار يوجبها أيضا طالما التزم الإمام بشروط العقد، فلا تناقض بين الطاعة والاختيار. الاختيار يوجب الطاعة المشروطة، بعكس التعيين الذي يوجب الطاعة المطلقة. وإذا أوجب الاختيار العزل فإن ذلك لا يجعل النص أفضل منه؛ لأن الإمام إذا ما تهاون في الدفاع عن البلاد، أو ظلم وتجبر وقهر، ولم يستمع لنصح أو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وجب عزله. العزل إذن واجب كالاختيار، في حين أن المعين بالنص لا يمكن عزله.
43
ولا قياس لمنصب القضاء على الإمامة إذا لم يقع الأول بالبيعة؛ فالقضاء حكم في الخصومات طبقا للشرع، ولا فرق بين قاض وآخر إلا في الحصافة. والقاضي معين من الإمام الذي اختاره الناس؛ وبالتالي يكون مقبولا تعيين القاضي على أساس من الاختيار غير المباشر. القضاء جزئي، والإمامة كلية. القضاء فرع، والإمامة أصل. ولا ضير أن يكون الفرع بالتعيين، والأصل بالاختيار؛ فالفرع يلحق بالأصل وليس العكس.
44
وتقيم باقي الشبهات في المختار، سواء الذي يقوم بالاختيار أو الذي يقع عليه الاختيار، كما يقع البعض الآخر في فعل الاختيار، اختيار إنسان لإنسان آخر كي يمثله نيابة عنه. فإن قيل في فعل الاختيار: لو جاز لمن يختار الإمام ليقيم الحدود لجاز له ذلك بنفسه، وهو أولى؛ لأن الإمام مفوض من الجماعة لتنفيذ الشرع، وليس الفرد مفوضا. ولو كان الفرد كذلك لكان عدد الأئمة مساويا لعدد المؤمنين، كل مؤمن إمام. ولكن الإمام يمثل إرادة الجماعة، ويرعى المصلحة العامة؛ ومن ثم لزم التمثيل، ووجبت النيابة؛ لذلك لو اختارت جماعة من الأمة الإمام لجعلته خليفة على أنفسها. والخلافة تكون على الغير كما تكون على النفس. الإمام تمثيل للنفس وللغير، ونيابة عن الأنا والآخر. وعلى الرغم من كون الإمام أعلم الناس إلا أنه يمكن اختياره لذلك ممن هو أقل منه علما، ولا يكون ذلك طعنا في الاختيار. العلم شيء، والاختيار شيء آخر. الاختيار تعبير عن إرادة الجماعة لا عن علمها. صحيح أن الاختيار يكون إما من كل الأمة، وهذا إهمال للإمامة؛ أو من البعض، وهذا تعسف؛ فليس البعض أولى من البعض الآخر، ولكن لا حل آخر لتسيير أمور الأمة، إما تمثيل الكل للكل، وهو مستحيل عمليا، نظرا لاختلاف قدرات الناس في العلم والفضل؛ وإما تمثيل البعض للكل، وهو الممكن عمليا، والسائد واقعيا. ولا مكان للقرعة أو للتحكيم؛ فالإرادة الحرة أفضل من المصادفة العشوائية في الاختيار، والقصد خير من الرجم بالغيب. وصحيح أيضا أن الاختيار ليس من واحد ولا في الكل، بل من البعض، وأن صفاتهم ليست أولى من الأخرى، ومع ذلك فصفات العلم والفضل والقصد إلى رعاية مصالح الناس صفات موضوعية تجب الكل والجزء، الجمع والفرد. وهي صفات المتعاقدين في حدود الإمكان البشري. وإن عظمة الإمامة لا تستوجب تركها لغير البشر؛ فالبشر هم المئولون والمفسرون للنصوص، ولكن بضمانات أكثر من العامة والخاصة. من الجماهير والعلماء يمكن اختيار الإمام، ولا يوجد بديل إنساني آخر. وإن اختيار البعض دون البعض لا يسبب فتنة أي الفريقين يتبع الآخر؛ فالإمامة مسئولية وبلية، وحسابها عسير من الله ومن الناس، في الدنيا والآخرة. ومن يطلب الإمامة لنفسه تسقط عنه؛ فلا خوف من الشقاق. البعيد عنها خير من القريب منها، والرافض لها أكثر أمنا من الطامع فيها. كما أن وحدة الأمة تمنع الشقاق. تندفع الفتنة لأنه لا تجوز البيعة ثانيا بعد البيعة الأولى. وإن التشكك في صفات المتعاقدين، أهل الحل والعقد، لأنهم لا يعرفون أمورهم، فكيف يولون عليهم غيرهم؟ أو لأنهم لا يتمثلون بصفات العصمة والعلم، والإيمان يقوم على طلب المستحيل، وليس على تحقيق الممكن. فيمكن للإنسان ألا يعرف أموره، ومع ذلك يكون قادرا على اختيار من ينوب عنه في ذلك. وليس منا معصوم، وكل علم أو إيمان يكون في مقدور الإنسان.
45
ولو عقد لإمامين في وقت واحد فالإمامة للبيعة الأولى لو كانت هناك أسبقية، ولكن هل تجوز القرعة لو كانتا في وقت واحد؟ إن القرعة حكم بالمصادفة، وتحكيم للعشوائية، ونفي للقصدية. في هذه الحالة يتم الاختيار من جديد عن طريق الأفضل طبقا لمقاييس التفضيل. ويجوز أيضا تنازل أحدهما للآخر؛ لأن من يطلب الإمامة لنفسه تسقط عنه، والتمسك بها في حالة اختيار إمامين في وقت واحد نوع من طلبها للنفس. الإمام هو المتقدم وليس المتأخر، وكان من واجب المتأخر بيعة المتقدم. لا وجود للقرعة أو للاحتكام، فالقرعة مصادفة، والاحتكام يمكن للأهواء أن تتدخل فيه، والأضمن تطبيق الشروط، ورعاية المصلحة، ووحدة الأمة، وتنازل الأخير للأول. فلو لم يتنازل أحدهما لكان كل منهما راغبا في الإمامة؛ وبالتالي تسقط عنه.
46
Bilinmeyen sayfa