Akdiden Devrime İman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Türler
ويكون للإمام وظيفة ثالثة، وهي تعليم اللغات، والتفرقة بين الأغذية والسموم، وكأن الإنسان لا يستطيع أن يتكلم لغة أو أن يقتات إلا بوجود الإمام. واللغة هنا هي المعرفة، ليست بالضرورة لغة الكلام، بل قد تكون لغة الإنسان أو لغة الطير. والقوت لا يعني بالضرورة الطعام، بل يعني كل ما به قوام الحياة. الإمامة إذن ضرورية للحياة الروحية والبدنية؛ لذلك فهي واجبة على الله.
19
فإذا كانت الإمامة واجبة على الله، فإن معرفتها واجبة في الدين عقلا وشرعا، وجوب النبوة عقلا وسمعا. الإمامة والنبوة كلاهما واجبة بالعقل والسمع. تجب الإمامة عقلا نظرا لاحتياج الناس إلى إمام تجب طاعته؛ يحفظ الأحكام، وينفذ الشرائع، ويحمل الناس على مراعاة أوامر الدين واجتناب نواهيه، ويساعدهم في تبيين الحلال من الحرام. وإن احتياج الناس إلى استمرار الشرع ورعايته وبقائه قدر حاجتهم إلى بدايته وإعلانه ومعرفته، وكلاهما واجب ولطف. كما تجب الإمامة سمعا لأمر الله الناس بطاعة أولي الأمر، وهم الأئمة الهداة.
20
ولكن أليس العقل كافيا لمعرفة الدين والتمييز بين الحسن والقبيح؟ صحيح أن الإمام له وظيفة تنفيذية صرفة بتطبيق الأحكام وإقامة الحدود، ولكن الوجوب لا يأتي من شخص الإمام، بل من وظيفته. كما أن طاعة أولي الأمر غير معينة بشخص الإمام، بل بسلطة غير مشخصة هي القائمة بتطبيق الحدود وتنفيذ الأحكام، سلطة تنفيذية خالصة؛ لذلك تكون معرفة الأئمة واجبة بالضرورة، «ومن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»، ومن مات ولم يكن في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية؛ لأنه لم يعرف الله ولا الشرائع، وجهل المعارف النظرية والتوجيهات العملية. ولا يسع جهل الأئمة لأن معارفهم ضرورية، وهي أولى من المعارف النظرية التي عند غيرهم، وقد يسع جهل الأئمة ويكون الإنسان حينئذ لا مؤمنا ولا كافرا. وقد تصل معرفة الإمام إلى حد لا يلتزم بعده بشريعة، ولا تجب عليه فريضة. وكأن معرفة الأئمة كافية بذاتها وليست وسيلة لتطبيق الشرائع، كما يقول الصوفية في حب الله.
21
والحقيقة أن التطرف في إثبات ضرورة معرفة الإمام بعد إثبات وجوب الإمامة يصل إلى حد إسقاط التكاليف بعد أن كانت الإمامة وسيلة للقيام بها؛ وبالتالي يصبح من لا يعلم الإمام غير مكلف، لا تقوم عليه الحجة، ويكون معذورا ما دامت العلة قائمة، وإلا يكون مكلفا أو معاقبا. وإن عدم العلم به الآن مزيح للتكليف الآن، وطالما غابت المعرفة زيحت التكاليف إلى نهاية الزمان. وهل يجب العلم بإمام واحد أم بالأئمة كلها نظرا أم حسب حاجة المكلفين؟ وماذا عن الفترة التي لا توجد فيها إمامة أو نبوة، هل تلغى التكاليف، وقد ثبت وجود فترة بين الرسل، وهذا يوجب الانقطاع وزوال الاتصال؟ وينقلب في النهاية الهدف من الإمامة بدل أن تكون إقامة الشرائع فإنها تنتهي إلى إسقاط التكاليف. قد يرجع ذلك كله إلى ضياع المعرفة، والخلط في التكاليف، واضطراب الناس أيام الفتنة حتى لم يعد يعرف أحد من الإمام وما وظيفته. (2-2) وجوبها على العباد سمعا
إن لم تكن الإمامة واجبة على الله لأنها أمر مصلحي صرف، دفع ضرر وجلب نفع، ولأنه لا يجب على الله شيء، وهو الموجب لكل شيء، فإنها واجبة على العباد. وكأن ما لا يجب على الله يجب على العباد، وكأن الوضع الطبيعي هو التقابل بين الله والناس إلى حد التعارض والتضاد. وإذا كانت الإمامة واجبة على الله فإنها كذلك من أجل الناس رعاية لمصالحهم، فالوجوب على الله هو وجوب من أجل المصلحة.
22
وإذا كان وجوب الإمامة وجوبا سمعيا شرعيا فلأنه وجوب مصلحي، فالشرع إنما يهدف لرعاية المصلحة.
Bilinmeyen sayfa