Akdiden Devrime İman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Türler
30
فما هي المادة الجديدة التي يمكن أن يقدمها عصرنا؟ ما هي الكبائر الآن؟ ومن هم مرتكبو الكبائر؟ هل هي الكبائر القديمة التسعة، أقل أو أكثر، أم أنه يعاد ترتيبها بحيث مثلا يوضع السحر في أولاها الذي يمنع الناس من الاعتماد على العقل والإرادة، كما يوضع الفرار عند الزحف في مقدمتها نظرا لما نخوضه من حروب، وما نعانيه من انكسارات؟ قد تكون الكبائر الآن سبعة؛ الأولى: كل من يعمل على احتلال أراضي المسلمين، ويوالي أعداءهم، ويصلي في الأراضي المغصوبة، ويصالح الأعداء ويسالمهم ويتقاعس عن تحرير الأرض، فلسطين المحتلة وكشمير وباقي أراضي المسلمين، وكل من يتهاون في بناء الثغور وإعداد الجيوش والقضاء على روح الجهاد في الأمة. والثانية: كل من يعمل على قهر المسلمين وإذلالهم، والقضاء على حرياتهم، وملء السجون، وكم الأفواه، والسيطرة على العقول، وتزييف الضمائر، وشراء الذمم. والثالثة: هي كل من يعمل على نهب ثروات المسلمين وتبديدها، وسوء توزيع الدخل بينهم، وإيجاد طبقات متفاوتة في الرزق، وفرق شاسع بين الفقراء والأغنياء، مع احتكار الأسواق، وامتلاك ما بباطن الأرض وهو ركاز، ملكية عامة للمسلمين. والرابعة: كل من يعمل على تفكيك وحدة المسلمين وشق صفوفهم، وتجزئة أوطانهم دون وحدتهم ولم شملهم؛ فقد تجزأت الأمة بفعل التخلف والانهيار الداخلي، وبفعل الاستعمار والسيطرة الخارجية، «أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار»؟! والخامسة: كل من يقضي على هويتهم ويوقعهم في الاغتراب، ويقطع الماضي من الحاضر، ويفصل الحاضر من الماضي، ويجعلهم مقلدين للغير ينقلون العلم عنه ولا يبدعون علما، وكل من يجعلهم تابعين لا متبوعين، ومتعلمين إلى الأبد لا معلمين يوما ما. والسادسة: كل من يرسخ التخلف في شتى مظاهره، سواء في التعليم أو في السلوك، في النظر أو في العمل، يمنع العلم عن الناس، إعمال العقل، ورؤية الواقع، كل من يمنع عنهم المداواة والبرء من الأمراض، وكل من يمنعهم النظافة وحسن العيش. والسابعة: كل من يجعل الأمة مستكينة مسترضية لا مبالية فاترة، كثيرة كغثاء السيل، كما بلا كيف، ملايين عددية دون قوى فعلية ضد تعبئة الأمة وتجنيد جماهيرها. هذه هي كبائر العصر التي تحدد من المؤمن ومن الكافر ومن الفاسق. فالتاريخ واقع متغير، من الماضي إلى الحاضر، وإلا كنا كمن يريد أن يأخذ جانبا في معركة قديمة ليس هو طرفا فيها، ويترك معاركه التي هو فيها أحد أطرافها.
31
الفصل الثاني عشر: الحكم والثورة (الإمامة)
أولا: مقدمة: وضع المسألة
الحكم والثورة هو الموضوع الأخير في علم أصول الدين، موضوع الإمامة، وهو قضية الحاكم والشعب، تنصيب الحاكم أو خلعه، وثورة الشعب سلما أم حربا. يبدأ علم أصول الدين بالتوحيد، وينتهي بالثورة؛ وكأن التوحيد هو البداية، والثورة هي النهاية. التوحيد وسيلة، والثورة غاية. ومن الطبيعي أن ينتهي التوحيد نهاية سياسية، وأن ينصب التوحيد في الثورة، والله في العالم؛ فالإمامة هي الموضوع الذي يربط بين التوحيد والفقه، بين العقيدة والشريعة، بين التصور والنظام. من خلالها يتحول النظر إلى عمل، من المستوى الفردي في الأسماء والأحكام إلى المستوى الجماعي في الإمامة. الإمامة إذن ليست مجرد مسألة فرعية عارية من علم أصول الدين، أدخل في الفروع منها في الأصول، بل هي من الأصول العملية إذ كان التوحيد هو الأصل النظري. ليست مجرد مسألة سياسية صرفة لا شأن لها بالعقليات أو النقليات، بالإلهيات أو السمعيات. وقد يكون وضعها الفرعي هذا مقصودا من أجل إبعاد الناس عن السياسة، وجعلها حكرا على الحاكم، وجعل التوحيد فارغا من أي مضمون، فلا تحرك العقائد الناس، ولا يكون لها أي أثر في حياة الجماهير،
1
بل إن وضعها كفرع لا كأصل كان مجرد اقتراح فردي ومبادرة غير مقصودة، ثم تحولت إلى تقليد جماعي وفعل مقصود، تقليدا لا إبداعا؛ فالدافع على ذكرها هو مجرد التقليد، بعد أن ذكرها أحد السابقين فتبعه اللاحقون، مع أن إيمان المقلد لا يجوز طبقا لنظرية العلم في المقدمات الأولى، وكأن العادة التي وضعها أحد الأوائل أصبحت سنة يتبعها الخلف دون تعقيل أو تأصيل، ودون سند من عقل أو من نص.
2
وقد يكون من أسباب استبعاده هو أنه موضوع يثير التعصب والغضب، وتحنق منه النفوس؛ فالبعد عنه أسلم، والخوض فيه أصعب، خاصة لو أدى إلى خطأ وجهل. والحقيقة أن السياسة علم محكم يقوم على تحليل الوقائع دونما تعصب؛ فالسياسة في موضوع الإمامة تعني الأحزاب السياسية والصراع السياسي. وإن بنية الموضوع إنما تكشف عن هذا الصراع بالرغم من إعلان الأصول عن حياده وموضوعيته. وهو من الموضوعات النقلية رابع موضوع في السمعيات بعد النبوة والمعاد والأسماء والأحكام، وكأن الإنسان لا يستطيع أن يصل بعقله إلى يقين في موضوع السياسة ويترك الأمر إلى النقل وحده؛ فموضوع السلطة السياسية الحجة فيه السلطة الدينية، الموضوع هو السلطة، والمنهج هو السلطة؛ فالإمامة من المنقولات وليست من المعقولات، كما أنها من الفروع وليست من الأصول،
Bilinmeyen sayfa