Akdiden Devrime İman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Türler
إذا كان الإيمان تصديقا يقوم على برهان نظري، ويتخارج في القول، فما أسهل بعد ذلك أن يتخارج في العمل؛ وبالتالي تكتمل أبعاد الشعور في بعديه الداخليين، المعرفة والتصديق؛ وبعديه الخارجيين، القول والعمل. التصديق بلا عمل ضيق نفس، وطاقة مختزنة، وإمكانية بلا تحقق، وسيلة بلا غاية، طريق بلا هدف. وكيف يكون الإيمان كاملا بلا عمل، وقد اقترن العمل بالإيمان في أصل الوحي، والإيمان بلا عمل كصورة بلا مضمون، كما أن العمل بلا إيمان كمضمون بلا صورة، بل وفي حالة الاختيار فالعمل بلا إيمان أفضل وأبقى من الإيمان بلا عمل، فالمضمون بلا صورة أفضل وأبقى من الصورة بلا مضمون. وليس العمل فقط هو المحبة والولاية، بل قد يكون الكراهة والعداوة، فمحبة العدل مثل كراهية الظلم، وولاية للحق تتضمن العداوة للباطل. وإن مقاومة الظلم والتخلف والاستغلال قد تكون شرطا للعمل من أجل العدل والتقدم والمساواة. النفي شرط الإثبات، ومقاومة السلب شرط تحقيق الإيجاب؛ لذلك لا يمكن تأجيل العمل على الإيمان أو تأخيره عنه.
16
العمل تحقيق للتصديق وتعبير عنه. والتصديق الذي لا يتخارج في العمل يولد ميتا، ويفقد مصادر طاقته وتفاعله مع العمل. لا يكفي العمل المحبة والخضوع والتسليم، بل والطاعة، فهذه أعمال سكونية خارجية صورية آلية أثر من آثار التصوف على العقيدة بعد ازدواج التصوف مع الأشعرية عند المتأخرين. قد يكون لإخراج العمل مدلول سياسي لاكتفاء الناس بالإيمان، وإسقاط العمل تحقيقا للاستسلام النهائي، وأمانا من الثورة. أما الاختيارات الأخرى فهي أيضا مكررة، مثلا: هل الإيمان تصديق وإقرار دون معرفة وعمل؟ إذا أصبح الإيمان تصديقا مصحوبا بالإقرار، أي تجربة داخلية تتحول إلى تعبير خارجي، فما أسهل بعد ذلك أن يكتمل التحقيق، فيتحول النظر إلى عمل. واكتمال التصديق بالمعرفة يؤدي بالضرورة إلى اكتمال القول بالعمل. وبدلا من أن يتحول نصف الطاقة، أي التصديق، إلى نصف الحركة، أي العمل، تتحول الطاقة كلها، أي التصديق والمعرفة، إلى الحركة كلها، أي إلى القول والعمل.
17
تصعب التفرقة إذن بين التصديق الذي يتحول إلى إقرار والعمل؛ لأن التصديق بمعنى الإذعان والإقرار تعبير عن الإذعان؛ فإن التعبير له شكلان؛ الإقرار والعمل. وما دام قد تخارج بالإقرار فليس هناك ما يمنع أن يتخارج في العمل؛ وبالتالي يتحقق الفعل. وإن كل محاولة لجعل التصديق خارج الفعل وجعل الإقرار مقطوع الصلة بالإرادة واللغة، فإنه لا يهدف إلا إلى إماتة الإيمان؛ وذلك نتيجة لسيادة التصوف كعلم لبواطن القلوب على الأشعرية السائدة.
أما سؤال «هل الإيمان تصديق وعمل دون معرفة وإقرار؟» فيشير إلى نفس السؤال السابق في علاقات النظر: هل الإيمان معرفة وعمل دون تصديق وإقرار؟ فمع أن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وهو أفضل من المعرفة النظرية والقول الفارغ، وهو طريق العمل الصامت الناتج عن التصديق القلبي، إلا أنه قد يتحول إلى عمل سري إن لم يصاحبه الإعلان. وقد يصبح تعصبا وضيق أفق إن لم يرتكز على أساس نظري.
18 (2-3) هل الإيمان تصديق وإقرار وعمل دون معرفة؟
في العلاقات الثلاثية التي يبدأ التصديق بها يكون الإيمان تصديقا وإقرارا وعملا دون معرفة. وفي هذه الحالة يكون السلوك أيضا صادقا علنيا، ولكن ينقصه بعض القدرة على الحوار مع الآخرين، والتعامل مع الواقع الإحصائي، وفهم علل السلوك؛ فالنشاط لا يعفي من الفهم، والحركة لا تغني عن الإدراك. يستحيل تحقيق فعل واع باجتماع الأبعاد الثلاثة، التصديق والإقرار والعمل دون المعرفة، نظرا لغياب الجانب النظري للسلوك. قد وقع الفعل، ولكنه يكون انفعالا وخطابة، حماسا واندفاعا غير قادر على احتواء أفعال الآخرين الذين يخالفونه في المعارف.
19 (2-4) الإيمان تصديق ومعرفة وإقرار وعمل
هذه هي العلاقة الرباعية الأخيرة التي تتفق مع الاحتمال الأخير في علاقات المعرفة، وهي أن الإيمان معرفة وتصديق وإقرار وعمل. والخلاف فقط في البداية بالمعرفة أولا وبالتصديق ثانيا. والحقيقة أن كل بعد يحتوي على الأبعاد الثلاثة الأخرى؛ إذ يستحيل وجود تصديق بلا عمل؛ فالطاقة لا بد وأن تتحول إلى حركة. إن كل تصديق هو تصديق بشيء، وهذا الشيء يتأسس في الذهن، ويعبر عنه باللسان، ويتحقق باليد؛ فإذا كان الإيمان هو المعرفة والتصديق فإن الإسلام هو الإقرار والعمل؛ وبالتالي يضم الإسلام الإحسان. إن الوحدة بين الداخل والخارج، بين الطاقة والحركة، بين التصور والنظام، أو كما يقول القدماء بين العقيدة والشريعة هو تحقيق للإيمان الكامل الذي يجمع بين النظر، المعرفة والتصديق، والعمل؛ أي الإقرار والفعل. بهذه الوحدة لا تتسرب الطاقة الداخلية، ولا يبتسر الفعل الخارجي.
Bilinmeyen sayfa