Akdiden Devrime İman

Hasan Hanafi d. 1443 AH
184

Akdiden Devrime İman

من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة

Türler

والثاني نقص في وعينا الاجتماعي، وفي علمنا بتاريخ نشأة الأفكار لانشغال طبقتنا المتوسطة بالأفكار مستنكفة من الوقائع الاجتماعية ذاتها. وكيف تنشأ ميزتنا، وهي الثقافة، من قاع الدست؟ وبالرغم من أهمية الأفراد في التاريخ إلا أنه لا يمكن تفسير حوادث التاريخ بمجرد ظهور الأفراد، إما عن حسن نية أو عن سوء نية، وتكون الحضارة قد نشأت لمجرد ظهور أفراد حسني النية أو سيئي النية. والحقيقة أنه لو لم يظهر الأفراد لظهرت الأفكار من الحوادث التي كانت ستفرضها، وما الأفراد إلا المعبرون عنها، أو من التقاء الثقافات وظهور الثقافات الوافدة بعد تمثلها في لغة الثقافة الناشئة، وإدخالها في تصوراتها للعالم.

121

وقد يوضع الأفراد داخل إطارهم الحضاري، ويتم تحديد سلوكهم الاجتماعي. وهنا يظهر سوء النية والتحايل والكيد والخداع والمكر والدسيسة والخديعة كعوامل محركة للتاريخ.

122

وكان الواقع النفسي للجماعة مهيئا لقبول هذه الأفكار التي تعبر عن هذا الواقع، ومن قام بها أهل خبرة بالأديان والشعوب، بتاريخ الأديان وبحكم الشعوب.

ليس هناك إذن ما يسمى بعلم الكلام، بل هناك تاريخ للفرق الإسلامية؛ فنحن لا نجد حديثا عن علم الكلام قبل القرن الخامس، ولا نجد في كتب الفرق حديثا عن علم الكلام أو حتى تعريفا له إلا في المؤلفات المتأخرة؛ مما يدل على أن ما اصطلح بتسميته علم الكلام هو في الحقيقة تاريخ الفرق الإسلامية. ولما كانت معظم الفرق قد نشأت نشأة سياسية، أو أن لعقائدها مدلولا سياسيا صراحة أو بباعث سياسي متستر وراء اختلاف الآراء في فهم النصوص وصياغة النظريات، فإن ما يسمى علم الكلام إن هو إلا تاريخ الفرق الإسلامية، وأن تاريخ الفرق الكلامية ما هو إلا تاريخ اجتماعي وسياسي للمجتمع الإسلامي في عصوره الأولى.

123

ويرفض كثير من علماء الكلام التاريخ الموجه، ويؤثرون تاريخا موضوعيا خالصا يكون في جوهره تاريخا سياسيا، ويدل على نشأة الفرق الكلامية نشأة سياسية، وأن أول مشكلة تعرض لها علم الكلام كانت مشكلة سياسية وهي الإمامة، وأن طابع الأحداث في الجيل الأول كان طابعا سياسيا، ثم عبر الخلاف السياسي عن نفسه في تفسير النصوص للحصول منها على نظرية. والسياسة لا تعني شيئا منفصلا عن الدين، فالدين ينظم كافة شئون الحياة؛ لذلك قد يصعب القول بأن علم الكلام نشأ نشأة سياسية بالمعنى الحديث؛ لأن الأحداث التي هزت وجدان المسلمين في العصر الأول وعلى رأسها الفتنة، لم تكن أحداثا سياسية بالمعنى الحديث، بل كانت وقائع أثارت الفكر. لم يكن في ذلك الوقت ولا في هذه البيئة ولا في هذا الفكر تمييز بين العامل السياسي والعامل الديني. كان الفكر، وهو الوحي، الموجه لسلوك الجماعة والمنظم لحياتها، وكان الواقع الذي تعيشه واقعا متكاملا، موجها بالفكر؛ لذلك لا يمكن اتهام الخوارج بأنهم خلطوا شئون الدين بشئون الدولة؛ لأن الدين والدولة كانا شيئا واحدا.

124

تبدأ الحوادث بالفتنة التي رجت شعور الجماعة، وجعلت الخلاف أساسا خلافا سياسيا حول موضوع الإمامة.

Bilinmeyen sayfa