Akdiden Devrime İman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Türler
92
وكثير من فرق المعارضة الفرعية تقرب من فرقة السلطان؛ مما يدل على أن جذور الفرقة الناجية عند الفرق الضالة، وأن جذور الفرقة الضالة في الفرقة الناجية. إذا هلكت المعارضة هلكت السلطة معها، وإن نجت السلطة نجت المعارضة معها.
93
فكل فرقة تمثل عقيدة ومذهبا وفكرا، سواء كانت المعارضة سرية، أم علنية في الداخل أم في الخارج، أو كانت للسلطة. وتمثل الفرق بصرف النظر عن كونها فرقا تاريخية خالصة، تيارات فكرية واتجاهات نظرية يمكن تحديد أصولها وتحويلها إلى تصورات مختلفة للعالم، أو مناهج حياة، أو نظم اجتماعية وسياسية. كل فرقة حولت الوحي إلى مذهب نتيجة لظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية.
فالفرقتان الكبيرتان اليوم، السنة والشيعة، كل منهما يمثل اتجاها فكريا من التوحيد حتى الإمامة، في الله وفي الطبيعة، في الإنسان وفي المجتمع. فبينما تقول الشيعة في التوحيد بالتأليه أو التجسيم، تقول السنة بالتشبيه أو التنزيه. وبينما تقول الشيعة بالفيض، وبأن الفرق بين الروح والمادة هو فرق في الدرجة لا في النوع، تقول أهل السنة بالخلق، وأن الفرق بين الروح والمادة فرق في النوع لا فرق في الدرجة. وفي الإنسان بينما تقول الشيعة بوجود حقائق الوحي في القلب، ويمكن العثور عليها بالتأويل، فإن استعصى التأويل فتقليد الإمام، يثبت السنة بديهيات العقول، ووضوح النصوص، واجتهادا في فهمها. وبينما ترى الشيعة أن نموذج السلوك الأمثل هو الطاعة والانقياد وتنفيذ تعاليم الإمام، ترى السنة أن نموذج السلوك الأمثل هو الفعل الحر والعمل المسئول. وبينما ترى الشيعة أن الإيمان مكتف بذاته، وأنه إيمان بحب آل البيت، ترى السنة أن الإيمان قول وعمل، وأن لا وجود للإيمان إلا بالعمل. وبينما تقول الشيعة بوحدة الأديان، ولا ترى ضيرا في الاستعانة بمراحل الوحي السابقة، أو الإلهام اللاحق الذي يكشف عنه الأئمة، يقول السنة باكتمال الوحي وانتهائه بانقطاع الرسل. وبينما تقول الشيعة بتعيين الإمام، تقول السنة بالشورى وبالبيعة العامة. وبصرف النظر عن الفروق في الدرجة في هذا التقابل عند كل فريق، وعلى فرض صحة هذا التقابل كاختيار فكري، فإنه نظرا لتغير الظروف الاجتماعية لكل منهما عبر التاريخ، فقد انقلب الاختيار. فقد لا يقل السنة تجسيما وتشبيها بل وتأليها من الشيعة، ولا يقل الشيعة تنزيها عن السنة. وقد لا يقل أهل السنة تأويلا من الشيعة، ولا يقل الشيعة حرفية من السنة. وليس السنة أقل طاعة من الشيعة، في حين أن الشيعة قادرون على المعارضة والثورة. كما أصبح الإيمان عند السنة مكتفيا بذاته، في حين أصبح عند الشيعة عملا تاريخيا. وقد وقع السنة في الروحانية، وضاع لديها الفصل بين الروح والمادة، وأصبح الشيعة أكثر فصلا بينهما من السنة. كما أصبحت السنة أكثر موالاة للنصارى واليهود من الشيعة، يقومون بتعيين الإمام وراثة من العسكر، بينما تثور الشيعة على ملك الملوك. فالشعور المذهبي هو اختيار عقائدي يكشف عن موقف سياسي متغير من عصر إلى عصر؛ وبالتالي يكون أحد أبعاد الشعور التاريخي.
وفي داخل السنة هناك اختياران آخران؛ المعتزلة والأشاعرة، على طرفي نقيض، المعارضة العقلية المستنيرة والسلطة النصية القاهرة. وكل فرقة تمثل مذهبا متكاملا، ابتداء من التوحيد والخلق والبعث ونهاية العالم.
94
ففي التوحيد تنكر المعتزلة الصفات حرصا على التنزيه، وتنكر كل صور التشبيه والتجسيم حتى ولو اضطرت إلى تأويل النصوص لإثبات معانيها العقلية. ولما أنكرت الصفات أثبتت حرية الإنسان؛ فالإنسان خالق أفعاله، ومسئول عن الخير والشر في العالم، وقادر على الأعمال. وفي النهاية يكون له ما قدم من خير أو شر دون وساطة أو شفاعة، ويكون الحكم بعد البعث وهو على وعي به وليس قبله. وكما رفض التجسيم في البداية يرفض في النهاية؛ فالثواب والعقاب خلقيان أكثر منهما ماديين؛ فالرضا عن الذات أفرح للنفس من الجزاء المادي، وتأنيب الضمير أوقع على النفس من العذاب الجسماني. أما الأشاعرة فتمثل المذهب المقابل؛ تثبت الصفات ولا ترى حرجا في القول بالتشبيه، بل وبالتجسيم، حرصا على حرفية النصوص. وما دامت الصفات مثبتة فهي أيضا فاعلة في العالم؛ فهي مسئولة عن كل ما يقع من الإنسان ومن الطبيعة من خير أو شر. وفي النهاية يبدأ الحساب الجسماني، والحكم على أفعال الإنسان، وتوقيع الجزاء المادي عليه ثوابا أم عقابا.
ونظرا لغلبة المذهب على الفرقة، والموضوع على التاريخ، فقد عرفت كل فرقة بالموضوع الذي اشتهرت به، وأصبحت الموضوعات عناوين لفرق؛ فغلاة الشيعة يقولون جميعا بالتأليه وبالتجسيم وبالتشبيه، وهو أحد الحلول لموضوع التوحيد، فإذا ذكر التأليه أو التجسيم ذكر غلاة الشيعة. وتقول المعتزلة بالتنزيه المطلق ونفي الصفات، فإذا قيل التنزيه أو نفي الصفات ذكر المعتزلة. ويغلب على الخوارج والمرجئة موضوع الإيمان والعمل، فإذا ذكر الموضوعان ذكرت الفرقتان.
95
Bilinmeyen sayfa