Akdiden Devrime İman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Türler
وتكون النظرية العقلية منتجة إذا استطاعت إيجاد الدلالة لمضمونها، وهي المادة الكلامية. أما إذا كانت مجرد تحصيل حاصل تجعل من صورتها مضمونها، فإنها لا تنتج شيئا. حينئذ يحال إلى علم العدد كعلم مستقل. وأحيانا يتدخل العدد للتحديد الكمي للأبواب والفصول.
79
والفكرة الموجهة ليست مضبوطة دائما؛ فقد تشير إلى فرق الديانات الأخرى. المجوس ستفترق إلى سبعين، واليهود إلى إحدى وسبعين، والنصارى إلى اثنتين وسبعين، والمسلمون إلى ثلاث وسبعين، حتى تكتمل صورة الوحي في كل مراحله. وقد تشير إلى المسلمين فقط اكتفاء بالوحي في آخر مرحلة. فإذا أشارت إلى الديانات السابقة، فهل هذا العدد واقع بالفعل أم أنه مجرد افتراض عقلي أو محض خيال؟ إن إظهار الترتيب على هذا النحو التصاعدي يوحي بالارتقاء والتطور والزيادة المفتعلة حسابيا.
80
وهي في الحقيقة ليست زيادة؛ لأن الفرقة الزائدة هي الدين الجديد. فاليهود هم المجوس السبعون بالإضافة إلى اليهود، والنصارى هم المجوس السبعون بالإضافة إلى اليهود والنصارى، والمسلمون هم المجوس السبعون بالإضافة إلى اليهود والنصارى والمسلمين. فالأساس هو العدد سبعون، ولماذا يكون الارتقاء بزيادة فرقة واحدة؟ وهل الفترة الزمانية بين المجوس واليهود أو بين اليهود والنصارى أو بين النصارى والمسلمين لا تسمح إلا بزيادة فرقة واحدة، وهي في النهاية الجديد، أي لا زيادة بالمرة؟ وهل خلاف المسلمين مثل خلاف الأمم السابقة، المجوس واليهود والنصارى، وقد أتى الإسلام لحسم الخلاف بين الملل، والتركيز على وحدة الأمة الشبيهة بوحدانية الله؟ أليس المسلمون أولى بقلة الخلاف؟ وكيف يوضع المجوس مع ديانات إبراهيم الثلاث، خاصة وأنها لا تعيش في الوجدان القومي مثل اليهودية والنصرانية؟ هل يكون ذلك أسوة بالفقه، وبأنهم مثل أهل الكتاب؟ وإذا كانت هناك صيغ بها المسلمون وحدهم، فإن إدخال المقارنة مع الأمم السابقة على هذا النحو التصاعدي الذي يوحي بالتقدم، وإن كان في الخلاف، يلهب الخيال، ويجعل الحديث أكثر إغراء من حيث التنبؤ والترتيب والإيقاع والموسيقى. وهناك أحاديث نمطية أخرى تضع المراحل السابقة للنبوة في رؤية واحدة؛ اليهود إلى منتصف النهار، والنصارى حتى العصر، والمسلمون حتى العشاء.
وتزداد الصعوبة عندما يتم الانتقال من مستوى الخيال العددي إلى مستوى الواقع الإحصائي. هل حدث إحصاء تاريخي، وانتهى إلى هذه الأعداد الدقيقة، سبعون، وواحد وسبعون، واثنان وسبعون، وثلاثة وسبعون، كأفضل ما يكون عليه القانون الطبيعي من حيث الدقة والرتابة والانتظام، أم أنه مجرد تحقيق الخيال العددي في الواقع عن طريق الانتقاء والاختيار؟ وبلغة المنطق، هل الإحصاء استقرائي أم استنباطي؟ هل هو إحصاء للفرق الماضية أم الحاضرة أم المستقبلة؟ وكيف يكون الاستقراء لفترة معينة في التاريخ؟ ومن الذي قام به، واحد أم مجموعة للأمم الأربعة في كل العصور؟ وماذا عن تاريخ الفرق اللاحق على الفكرة الموجهة؟ هل هو استقراء علمي للماضي أو الحاضر أم نبوءة للمستقبل؟ صحيح أنه يمكن القول بأن الفرق السابقة على الفكرة الموجهة أنماط مثالية تتكرر في كل عصر، وأن العدد المعطى حوى هذه الأنماط كلها سابقا ولاحقا. ولكن هذا القول يقتضي أولا حصر هذه الأنماط وجعلها ميسورة؛ فالأنماط التي تبلغ السبعين لا يمكن وعيها، كما تقتضي ثانيا إرجاع كل الفرق اللاحقة إلى الأنماط السابقة. وهذه خطورة كبرى؛ فقد لا يحدث اتفاق بين الفرق اللاحقة ونمطها السابق، وقد يغفل أحد أوجه الاختلاف ويظن أنه تشابه.
81
وكيف يظل العدد كما هو لا يزيد ولا ينقص في كل زمان؟ وكيف يمكن توجيه التاريخ في المستقبل بأفكار موجهة أخرى تشير إلى المستقبل وتحدد مساره، كما هو الحال في أحاديث المهدي المنتظر وفي حديث المجددين؟ والأفكار الخاصة بالمهدي تظهر عادة في المجتمع المضطهد، كما هو الحال في المجتمع الشيعي، تساعد على ظهوره خاصة إذا عينت الفكرة المهدي بالوصف أو بالرسم أو بالاسم.
82
وشتان ما بين الرؤيتين؛ الفكرة الموجهة تشاؤمية تقول بحتمية الاختلاف والشقاق، بينما الفكرة المهدوية تفاؤلية تقول بحتمية الخلاص والنجاة.
Bilinmeyen sayfa