Akdiden Devrime İman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Türler
21
وإذا كان الكفر هو إنكار الوحي في ذاته أو في مصدره، فإنه قد لا يكون إنكارا للفكر على الإطلاق أو للوجدان على الإطلاق، وقد لا يكون صمتا عن القول أو نكوصا عن الفعل. الكفر رفض لتصوير معين من تصورات الوحي، سواء من حيث التسمية أو من حيث الاتجاه، ورفض التعالي والمفارقة من أجل التحول نحو الواقع ذاته باعتباره مصدرا لكل فكر. وإن رفض التعالي يحدث في الحقيقة نتيجة لتحليل التعالي تحليلا نفسيا واجتماعيا وليس قبله. الكفر ليس تعصبا أو إيمانا بعقيدة مضادة، أو حتى أزمة نفسية، أو تقليدا، بل هو كفر واع بناء على تحليل لتصورات الإنسان عن الألوهية في لحظات ظهورها في التاريخ. (2-1) هل الإيمان معرفة بلا تصديق؟
كيف يكون الإيمان معرفة فقط وهو لغة يعني التصديق؟ كيف يتحول الإيمان إلى علم خالص بلا وجدان، إلى نظر عقل دون شهادة قلب، إلى فكرة مجردة دون يقين بالمعنى، إلى معرفة نظرية دون أساس شعوري؟ الإيمان معرفة قلبية، أو بلغة العصر نظر شعوري. المعرفة دون تصديق مجرد معادلات صورية فارغة لا تصدق إلا من حيث اتساقها مع نفسها دون أن تكشف عن شيء في الشعور، أو تطابق دلالة في التجربة الإنسانية. المعرفة الشعورية من خلال التصديق أولى درجات المعرفة. قد يعرف الكفار دون تصديق، وتظل معرفتهم عاجزة عن أن تؤثر في سلوكهم أو في تغيير نظرتهم للعالم. قد يعرف المنافقون، ولكن تظل معرفتهم مجردة لا فاعلية لها؛ لأنها لم تتحول بعد إلى تصديق. فالمعرفة كتصديق أولى درجات التفسير ابتداء من الشعور الفردي حتى البنية الاجتماعية.
22 (2-2) هل الإيمان معرفة دون إقرار؟
إذا ما تحولت المعرفة إلى تصديق فإنه سرعان ما يتخارج في القول والإعلان؛ فلا توجد معرفة بلا تصديق، ولا يوجد تصديق بلا قول؛ فالمعرفة كتصديق سرعان ما تتحول إلى طاقة تعبر عن نفسها من خلال منفذين، اللسان والجوارح، الكلام والحركة، أي الإقرار والعمل، الكلمة والفعل، اللغة والسلوك. الإقرار هو النطق بالشهادتين كتعبير عن معرفة التوحيد، وإلا ظلت المعرفة صورية صرفة إذا انفصلت عن التصديق، مجرد تصور دون لغة، أو حد دون قضية. وإذا ما كانت المعرفة تصديقا بلا إقرار فإنها تظل شهادة باطنية للنفس،
ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه . أضعف الإيمان الذي لا يتخارج في أضعف المظاهر وهو القول، الكلمة الصادقة، الدين النصيحة. والقول ليس مجرد إقرار، بل هو فعل. وشهادة «أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله» فعل. الإقرار فعل باللسان، الكلمة فعل، والنطق فعل، واللغة فعل، وكلمة الله لا تعود فارغة، والساكت عن الحق شيطان أخرس. ونظرا لزيف الكلمة أو الخرس والصمت ظهرت ضرورة النطق في جيلنا، وظهر سحر الكلمات وضرورة القول، وأصبحت الكلمة دار نشر وديوان شعر، كلمة الإنسان، وكأنها الله قد تجسد من جديد. وفي البدء كانت الكلمة، كلمة الحق والشهادة، وهي الكلمة الفاعلة التي تقيس الفارق بين المثال والواقع، وليست الكلمة الفارغة بلا مضمون. قد تحدث المعرفة، ولكن يكون العارف أخرس أو مكرها. وهنا تظل المعرفة عقلية صرفة أو وجدانية خالصة، داخلية بلا تخارج. في حالة الخرس لا يبقى إلا الفعل كمنفذ وحيد لتصريف الطاقة، أما حالة الإكراه فهي مؤقتة صرفة. ويمكن التحايل عليها بالرمز كما هو الحال في الأدب المعاصر تحت ظروف القهر والطغيان.
23 (2-3) هل الإيمان معرفة دون عمل؟
إذا كان الإيمان معرفة، وتحولت المعرفة إلى تصديق، أي إلى شهادة باطنية، فإنها لا بد وأن تتخارج في العمل؛ فالطاقة الوجدانية والمعرفة الشعورية لا يكفيها الكلام، ولا تعبر عنها الكلمة وحدها، بل تتحول الكلمة إلى فعل، والقول إلى سلوك. إن المعرفة النظرية الخالصة بلا عمل تكون مجرد معرفة أشبه بمعارف الصوفية أو الحكماء وكأن المعرفة غاية في ذاتها. إن جعل الإيمان معرفة، والكفر جهلا، وإخراج العمل كتحقيق للمعرفة، قد يتصور العمل على أنه عمل الشعائر والطقوس، أعمال الجوارح، في حين أن عمل الحق والخير والعدل، عمل الفضيلة، تعبير أصدق عن المعرفة. وإخراج العمل من المعرفة مثل إخراج الإقرار؛ أي كل مظاهر التخارج للمعرفة الباطنية، سواء كان هذا التخارج في الإقرار أو في العمل. واقتران الإيمان بالعمل واضح في الوحي، ولو أنه لم يظهر عند بعض القدماء كبداهة نظرا لسيادة بعض الاتجاهات الإشراقية، سواء كانت في علوم الحكمة أو في علوم التصوف؛ إبعادا للوعي الجماعي عن العمل والممارسة، في حين ظهر في الحركات الإصلاحية الحديثة دعوة لقرن العمل بالإيمان نظرا لتخلف العمل عن النظر في سلوك الجماهير في عصرنا الحاضر. صحيح أن الإيمان ذكر في أصل الوحي أكثر من العمل، ولكن كان تثبيتا لإيمان العوام، وليس لعمل الخواص. ومع ذلك يظل الاقتران قائما.
24 (2-4) هل الإيمان معرفة وتصديق دون إقرار وعمل؟
بعد العلاقات الثنائية التي تقوم على إثبات طرف واستبعاد طرف آخر، المعرفة والتصديق، المعرفة والإقرار، والمعرفة والعمل، تأتي علاقات ثنائية أخرى تقوم على إثبات طرفين من الأبعاد الأربعة واستبعاد طرفين آخرين؛ وبالتالي يثبت الإيمان كمعرفة وتصديق لما كانت المعرفة شهادة باطنية وتجربة شعورية، ثم يتم استبعاد الإقرار والعمل؛
Bilinmeyen sayfa