Akdiden Devrime İman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Türler
وفي العقل الغائي الشق الثاني في أصل العدل، ما الكفر في القول بالصلاح والأصلح أو بالعلية والغائية في الخلق؟ ما العيب في أن يوجب الله على نفسه القانون درسا للإنسان وتعليما له بأن كل شيء يخضع لقانون، وأن لا شيء متروك للهوى أو للمصادفة؟ وبصرف النظر عن الصياغة التي قد تبدو متناقضة - كيف يوجب الله على نفسه فعلا وكيف يخضع نفسه لقانون - وبصرف النظر عن النتائج المتخوف منها - كيف تكون أفعال الله الحادثة - فإن الغاية هي تصور عالم يخضع لقانون حتى يمكن تسخيره والعيش فيه. إن وجود قانون خلقي أو طبيعي لا يعني تحديد أية قدرة مطلقة؛ وذلك لأن صفات هذا القانون الاطراد والعموم والشمول، وهي صفات مطلقة يدركها الإنسان ويمتد بها، فيكون قادرا على خلق أفعاله وممارسة حريته. وما العيب في أن يكون الإنسان خالقا، والتضحية بالله في سبيل الإنسان يرضاها الله؟ بل إن خلق الإنسان لأفعاله لا حدود لها، ويستطيع المسلم أن يفعل حسنات أكثر من النبي لو طال عمره. ولماذا سد الطريق أمام إمكانيات الإنسان وتفاؤله؟ بل إن الله يزيح علل العباد حتى يجعلهم أكثر قدرة مما هم عليه. وهو لا يفعل بهم إلا الصلاح، ولا يختار إلا الأصلح لهم. لم يخلق الإيمان ولا الكفر ولا أفعال العباد، ولكن العباد هم خالقو أفعالهم الداخلية والخارجية والطبيعية والاجتماعية. وهو لا يظلم أحدا، ولا يخرق قانون الاستحقاق، ولا يقلب الأضداد، ولا يفعل الشر. وأيهما أكثر تنزيها لله إذن؛ جعل الله وهو الخير مصدر الشر، أم تبرئته عن فعل الشر؟ أيهما أخطر؛ ارتكاب خطأ في الصياغة اللغوية بقول «الله لا يقدر على ...» أم ارتكاب خطأ فعلي وهو جعل الله مسئولا عن الظلم؟ الله خير محض ولا يفعل الشر، بعكس الإنسان الذي يفعل الحسن والقبيح. ليس معنى ذلك أن الإنسان أقدر من الله، بل إن للإنسان حرية الاختيار، ولله ضرورة الخير. فما البديل عن هذا التصور بحيث يحفظ لله ضرورته، وللإنسان حريته؟
73
وبالنسبة للسمعيات، فإن القول باستمرار النبوة هو رغبة في استمرار المقاومة بالسلاح الفكري نفسه. ولما أولت فرقة السلطان النبوة لصالحها، فإن فرق المعارضة قالت باستمرارها. فليس من العدل أن تتحول النبوة إلى خلافة ظالمة، ولا تستمر كي تحقق غايتها من إقرار العدل. فالنبوة مستمرة في المقاومة، والإمام العادل وليس الإمام الظالم هو خليفة النبي، والزمان لم ينته بعد، والتطور لم يكتمل بعد، والنبوة لم تحقق غايتها بعد طالما أن حكم العدل لم يتحقق، وأن حكم الظلم هو الذي يسود. ولا يتطلب ذلك إلهاما من الله أو وحيا منه بالضرورة، بل يمكن أن تكون النبوة مكتسبة؛ فكل من بلغ الغاية من الصلاح وطهارة النفس أدرك النبوة، فالنبوة ليست هبة أو اختصاصا أو وقفا على أحد، بل هي عامة في كل من يبغي الإصلاح ويهدف إلى الكمال؛ فكل داعية رسول، وكل رسول داعية. الرسل مثل الزعماء والقادة والمصلحين والثوار، يهدفون إلى تغيير مجتمعاتهم إلى ما هو أفضل، ولا حاجة إلى ألقاب مثل رسول الله أو نبي الله خشية أن يتحول اللقب إلى شخص، وتنقلب اللغة إلى وجود، والمظهر إلى الحقيقة، والنداء إلى مناد. يكفي النداء على الرسول أو على المصلح باسمه دون ألقاب؛ منعا للتأليه أو التعظيم الزائد كما حدث في الديانات السابقة. والقرآن هو تجسيد النبوة، ليس بالضرورة في المصاحف المكتوب في الورق بالحبر بين دفتي الكتاب، بل هو إحدى صياغاته أو رواياته أو حكاياته؛ فالوحي أكثر من صياغاته الزمانية، وتجربة أعم من التجسيدات الوقتية. ولا حرج في إنكار بعض حروف القرآن، أي قراءاته؛ لأنها اجتهادات شخصية تصيب وتخطئ.
74
وفي موضوع المعاد، لماذا لا يكون العقاب في الدنيا قبل الآخرة، في العاجل قبل الآجل؟ وهل يتحمل العقاب على الظلم التأجيل؟ وإذا كان الأمر كله مجرد تشبيهات وصور وقياس للغائب على الشاهد، فلماذا يكون تشبيه أفضل من آخر وأولى منه؟ إن العقاب في الدنيا أفضل من العقاب في الآخرة، ويعطي المظلوم أملا لرفع الظلم عنه في الدنيا برؤيته عقاب الظالم والقصاص منه تطبيقا لقانون العدل، وإلا كان فارغا من غير مضمون بلا زمان ولا مكان، بلا شعب وبلا تاريخ. وأيهما أفضل؛ تصور الثواب في جنة حسية بها طعام وشراب ونكاح، أم جنة روحية أرفع قدرا بها معرفة وحكمة وتأمل؟ وأيهما أفضل؛ القول ببقاء الجنة وأهلها فيشاركان الله في صفة البقاء، أم القول بفناء الجنة وأهلها حتى يظل الله متفردا وحده بالبقاء؟ وإذا كان الأمر كله تشبيها في تشبيه، وقياسا للغائب على الشاهد، فما المانع أن تجذب النار أهلها طباعا لما كانت الطبائع أساس الحركة والاندفاع؟ أليست كل إلهيات طبيعيات مقلوبة، كما أن كل إلهيات طبيعيات مقلوبة؟ وإذا عم قانون الاستحقاق على كل كائن حي، فلماذا لا يحشر يوم القيامة الكلاب والخنازير والحشرات وكل مخلوق حي؟ وما المانع أن يكون العقاب على كل كائن حي ترابا؛ أي تنعدم منهم حياة الوعي ويقظة الشعور؟ وهل يألم الأطفال وهم غير عاقلين مكلفين، والهدف من العقاب تصحيح حياة الوعي وبناء الشعور؟ وإذا كان الأمر كله أمنيات وتمنيات، فما المانع أن يرى الله يوم القيامة في صورة يخلقها ويكلم عباده منها؟
75
وفي النظر والعمل، لماذا تكفير القول بالمنزلة بين المنزلتين؟ ألم يؤد دورا في التخفيف من حدة تكفير العصاة أو التضييق على جعلهم مؤمنين؟ لماذا لا يكون المسلم فاسقا أو عاصيا أو منافقا إذا ما ارتكب الكبيرة، ويكون وسطا بين المؤمن والكافر بحيث يتأكد على رد الفعل وأثره في كمال الإيمان؟ وإذا كان من شروط التوبة ترك الزلة في الحال، والندم على ما فات، والإصرار على عدم العودة عليها في المستقبل، فما وجه الضلال في ذلك؟ وإذا كانت التوبة من ذنب تقتضي التوبة من جميع الذنوب، فإن ذلك لتحميس التائب وجعله أقرب إلى الكمال الكمي بالإضافة إلى الكمال الكيفي. لا يكون ذلك قسوة بقدر ما هو سلوك مبدئي لا يعرف الاستثناء؛ فالمعصية تساوي جميع المعاصي، ومن قتل النفس فكأنما قتل الناس جميعا. والسلوك المبدئي العقلي في المعارضة العلنية لا يفترق عن أسلوب التطرف والمغالاة عند المعارضة السرية في الداخل. وإن العاصي قد تتحول عنده المعصية إلى طبيعة ثانية، فيطبع على قلبه، وتنتهي لديه حرية الاختيار، ولا يمكن تغييرها إلا بطبيعة ثانية أقوى، أو بالرجوع إلى الطبيعة الأصلية الأولى. والشهادة لا تطلب للشهادة؛ لأنها تعني إنهاء المقاومة وتغليب الظلم، بل تعني الإعداد للنصر، وأن تكون فرص النجاح أكبر من احتمال الهزيمة. وإذا كان أساس الجزاء والعقاب هو قانون الاستحقاق، فمن الطبيعي ألا يدخل الأطفال أو غير العقلاء؛ إذ ليس لهم ثواب ولا فضل، ويصيرون ترابا؛ أي يتحولون إلى جماد. وإذا كانت الحياة نعمة وتقدما بالنسبة إلى الجماد، ولا يمكن إرجاعها إلى الوراء، فقد يصير الأطفال إلى الجنة لتغليب الحياة على الموت، ونظرا لطبيعة الخير. وما المانع من البعث الروحي دون الجسدي، والروح أفضل من الجسد؟ وما المانع من بقاء المادة دون فنائها، والقول بدورات لا متناهية، وتحول المادة وتعاقب الأشكال والصور على مادة لا تفنى؟
76
أما بعض المسائل العملية الأخرى، فإنها ترتبط بطبيعة مجتمع المقاومة من أجل توثيق الروابط الاجتماعية فيه وشحذ المقاومة، ولمزيد من الضبط والإحكام في مواجهة الآخر، وفي الوقت نفسه التراضي والتسامح واللين مع النفس تخفيفا عنها؛ فقد يحلل شحم الخنزير ودماغه وتفخيذ الذكور، وقد يحرم أكل الثوم والبصل، ويوجب الوضوء عن قرقرة البطن. ونظرا للحساب العقلي الكمي للمعارضة العقلية العلنية، فقد يحدد نصاب السرقة تحليلا رياضيا دونما مراعاة للقصد والنية، دون أن يستوجب ذلك الكفر أو الضلال.
77
Bilinmeyen sayfa