İnancından Devrime (3): Adalet
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Türler
29
وإذا كان الغرض هو العلة الباعثة للفاعل على الفعل، فكيف يمكن نفيه؟ وكيف يكون الله منزها عن العبث وأفعاله ليس لها أغراض ومقاصد؟ لا يكفي تنزيه القدرة المشخصة عن العبث لضمان موضوعية القيمة والصفات الذاتية للأفعال.
30
ولا يمكن إثبات الحكمة دون الغائية، وإلا فماذا تعني الحكمة؟ إن كان الغرض من إنكار الغائية هو تنزيه الله، فإن تنزيه المؤله عن الغرض والغاية يبطل الحكمة وينال من التنزيه الكامل. إن إنكار الغائية يؤدي إلى الفصل التام بين المؤله والعالم، ويجعل المؤله فعالا لما يريد دون علة أو غاية أو باعث أو دافع، وهو ما يعادل الحرية المطلقة بلا باعث أو سبب، حرية العبث.
إن تنزيه الذات المشخص عن الشر لا يعني وقوع الشر في العالم ولا يجيب عن مصدر علته، بل لا يفعل أكثر من نسبة الشر إلى النفس والخير إلى الذات المشخص تضحية أو مسكنة أو نفاقا أو غرورا. والغاية ليست نقصا يلصق بالإنسان وشرا ينزه الله منه.
وكما أن الغاية في أفعال الله وفي أفعال الإنسان فإنها تكون أيضا في الطبيعة وفي التاريخ؛ فالطبيعة تسير نحو غاية، والتاريخ أيضا يسير نحو غاية. لا تعني الغائية في الطبيعة حاجة طرف وكرم طرف آخر؛ فالطبيعة مستقلة عن أطرافها. وإن تصور علاقة الطرفين المشخصين على أنها علاقة احتياج وكرم تصور قائم على استضعاف أو استذلال أو سؤال أو تملق. الحكمة في الطبيعة وليست في علم مشخص أو إرادة مشخصة.
31
ولا تعني الغائية أي نقص في الطبيعة بل كمالها؛ فالطبيعة متجهة نحو غاية هي كمالها. الغائية هي أساس الوجود في الإنسان وفي الطبيعة. واعتبار الطبيعة مجرد تعبير عن الجود والكرم من وجود مطلق مشخص هو إلغاء لوجود الطبيعة واستقلالها. كما أن إنكار الغائية من الأفعال والطبيعة وإرجاعها إلى فاعل حكيم قضاء على موضوعية الأشياء ووجود العالم المستقل. إن الكون كله بالرغم من أنه حدث ابتداء إلا أنه حدوثه كان لغاية وهدف، كما أن خلق العالم كان لغاية وغرض وليس من خارج الكون أو الخلق، بل من الداخل في طبيعة الكون والخلق.
32
ليس الغرض توسطا لوقوع الفعل، بل هو الباعث والدافع. والله لا يحتاج إلى توسط وإن احتاج كان عاجزا. ولا تتسلسل الأغراض إلى ما لا نهاية لأن الغاية تنتهي بالكمال والتحقق إلى نهاية الزمان؛ فالنهاية إعلان لتحقق الغاية والكمال؛ لذلك كانت الغائية أيضا كامنة في التاريخ باعتباره تطورا للإنسان والطبيعة والكون والخلق كله. الغائية في التاريخ كما أنها في الوحي، وتطور التاريخ نحو غاية مماثل لتطور الوحي حيث تظهر في النهاية نتائج الأفعال وآثارها. وإذا كانت الغاية قيمة فالله هو هذه القيمة ليس بشخصه بل بعلمه ومقصده ووحيه. الغائية في التاريخ هي العناية الإلهية على مستوى حركة التاريخ ومساره. ولا تتحقق هذه الغائية بقدرة مشخصة أو إرادة خارجية، كما لا تتحقق تحققا آليا خارج قوانين التاريخ بل تتحقق بفعل الإنسان وطبقا لقوانين التاريخ. وإذا لم تتحقق الغائية يكون الإنسان قد تخلى عن رسالته في الحياة، ويكون هو المسئول عن عدم تحققها، ولا تقع المسئولية على غياب الغائية وعدمها. ومع ذلك لو تخلى الإنسان عنها اندثر في التاريخ وانهارت الأمم وأتى إنسان آخر ونهضت أمم أخرى لأداء الرسالة ولتحقيق الغائية حفاظا على مصالح الناس والحياة الإنسانية وإبقاء على الوجود ذاته.
Bilinmeyen sayfa