İnancından Devrime (3): Adalet
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Türler
20
وإن أكبر حجة ضد الخصم هي اتهامه بالعمالة الحضارية وبأنه منفصل عن تراثه وبأنه تابع لمؤثرات أجنبية. وليس فيهما أي نقل من العلوم الأخرى مثل علوم الحكمة أو علوم التصوف، بل هما تعبير عن بنية علم الأصول بشقيه، علم أصول الدين وأصول الفقه، يعيدان إلى العلم وحدته بتوحيد علم النظر وعلم العمل؛ علم العقيدة وعلم الشريعة، الوحي والطبيعة على أساس واحد، وهو مصالح الناس ورعاية البشر.
21
إن ما يمكن أن يوجه إلى الصلاح والأصلح هو تبرير الشر في العالم، في الأفعال وفي الطبيعة، واعتبار هذا العالم أفضل العوالم الممكنة، وأن كل ما فيه خير وصلاح، وأن الواقع أفضل من الممكن، والحال أفضل من المآل، وأننا لو علمنا الغيب لاخترنا الواقع، وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان. وقد يسبب ذلك نوعا من الاستسلام للأمر الواقع والرضا بكل صنوف الضيم والظلم والهوان، وبالتالي تستحيل قضية التغير الاجتماعي كما يستحيل العمل السياسي الذي يقوم على تغيير الوضع القائم إلى وضع أفضل. وينتهي التقدم، ويقضى على الرغبة في العمل وعلى بذل الجهد، وتنتهي المقاومة للظلم؛ فالأصلح للظالم أن يكون ظالما، وللمظلوم أن يكون مظلوما، وللغني أن يكون غنيا، وللفقير أن يكون فقيرا، وللقاهر أن يكون قاهرا، وللمقهور أن يكون مقهورا، وللمحتل أن يكون محتلا، وللذي يقع عليه الاحتلال أن يقبل الاحتلال. كما يصعب على الإنسان عقلا وقلبا أن يفهم أن الله لا يراعي الصلاح والأصلح، وفي الوقت نفسه يصعب عليه أن يقبل أن يكون ذلك واجبا على الله، فالله لا يجب عليه شيء كحق نظري. والحقيقة أن كل هذه الاستدراكات على الصلاح والأصلح إنما تأتي من اعتباره ضد الحرية، وهي في واقع الأمر تعبير عنه. فقد ثبتت حرية الأفعال في أول شق لأصل العدل بعد انبثاقه عن التوحيد وخروج الإنسان المتعين من الإنسان الكامل. كما تقود العقليات كلها إلى السمعيات وآخرها النظر والعمل ثم الإمامة. فالغاية النهائية هي التغيير الاجتماعي. إن قبول الأمر الواقع كقضاء لا يمنع من الخروج عليه كقدر. كما أن اللفظ المزدوج الصلاح والأصلح يعطيان إمكانية لا نهائية للانتقال من أحدهما إلى الآخر. فلا صالح إلا وله أصلح. فإذا كان الوضع القائم هو الصلاح، فإن تغييره إلى وضع أفضل هو الأصلح؛ ومن ثم يكون التقدم المستمر ممكنا إلى ما لا نهاية. أما التعبير بلفظ الوجوب فهو مصطلح إنساني خالص يتحدد فيه الوجوب العقلي بالوجوب الطبيعي بالوجوب الأخلاقي. وانبثاق العقل من التوحيد يجعل الانتقال من الله إلى الإنسان ممكنا؛ وبالتالي تتوقف لغة الذات والصفات على لغة الأفعال حيث تبرز مصالح الناس وتظهر حياة البشر؛ لذلك يظهر مع ألفاظ الصلاح والأصلح ألفاظ أخرى مثل الجود والجواد والبخل والبخيل والاقتصاد والمقتصد، مما يدل على أنها مصطلحات إنسانية خالصة.
والإصلاح في مقابل الإفساد لفظان في أصل الوحي؛ فالصلح والصلاح للإنسان لنفسه أو لذات البين. وهو إصلاح من الإنسان الحر وأفعال الشعور الداخلية كالإيمان والتقوى والتوبة. وإذا كان الإنسان يدعو الله للإصلاح، فإن الله يأمره به. ويظل الإصلاح فعلا للإنسان أكثر منه فعلا لله. بل يصبح «صالح» اسم علم لما يعطيه الفعل على الشخص من سمة الصلاح. كما يصبح الأنبياء من الصالحين والأعمال كلها من الصالحات. والإصلاح أيضا للعلاقات بين الذوات (الزوجان) وفي الأرض. وهو فعل الإنسان أكثر من فعل الله. الله يعلم الإصلاح ولا يضيع أجر المصلحين، ولكن إصلاح الإنسان شرط، وفعل الله مشروط بفعل الإنسان.
22
أما الفساد فإنه أيضا فعل إنساني ناتج عن التشتت والتبعثر واتباع الهوى دون العقل، وينشأ من أفعال الملوك والقبائل (الرهط) والناس. وهو أقرب إلى فعل الجماعة منه إلى فعل الفرد، وكأن الفساد وضع اجتماعي في حين أن الفرد خير بالفطرة. ويظهر الفساد في الأرض وفي البر والبحر وفي البلاد بفعل الناس. والله يعلم ولا يحب الفساد ولا المفسدين. ويرى المفسدون عاقبة الفساد طبقا للأفعال ونتائج الأفعال، وينالون الجزاء طبقا للاستحقاق. والفساد معنوي ومادي معا، مثل تبديل الحق والاستعلاء والطغيان والكف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبخس الناس أشياءهم، وذبح الأبناء واستحياء النساء، وقتل النفس وهلك الحرث والنسل. وتفصيل الفساد للتنبيه عليه مثل ترك الإصلاح كقاعدة عامة يتبعها الإنسان طبقا للفطرة، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما هو الحال في الشق الثاني من علم الأصول.
23 (3) هل يمكن نفي الغائية والعلية؟
ولما كان الصلاح والأصلح غاية في الأفعال وعلة لها، فقد ظهر موضوع الغائية والعلية كموضوع أشمل وأعم حتى استقل بذاته وأصبح أيضا موضوعا للجدل بين النفي والإثبات. كما أنه ارتبط بموضوع التكليف؛ لأن التكليف أيضا تحقيق لغاية؛ غاية الإنسان ورسالته في التاريخ.
24
Bilinmeyen sayfa