İnancından Devrime (3): Adalet
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Türler
17
وما أسهل الانتقال من الله الملك إلى السلطان الملك ما دامت عقائد الناس قد انغرس فيها الملك وأصبح الملك تكوينا نفسيا لهم وبناء شعوريا يوجههم، وثقافة يومية تغذيهم. وقد تكون الصورة ليس فقط المالك أو الكامل بل السيد، بالرغم من أن السيد ليس من الأسماء. فالسيد إذن أراد أن يظهر على الحاضرين عصيان عبده يأمره بالشيء ولا يريده منه. وكأن الله محتال، وكأن الله خادع للعبد، موقع له في شر أعماله، يأمره بالشيء ولا يريده منه. فالشيء لا يكون مرادا ويؤمر به! والفعل لا يكون قصدا ثم يأتي مخالفا للقصد، وإلا انفصل النظر عن العمل. وإذا اختلفت الأفعال فإنما يرجع ذلك لاختلاف الأحكام وسلم القيم.
18
والقول بالإلجاء هو أقرب إلى الجبر منه إلى الاختيار. وهو في حقيقة الأمر حاجة جدلية للرد على الجبر في أنه إذا كان مريدا لكل الأفعال، فالأولى أن يريد الطاعات وأن يلجئ العباد إليها بدلا من أن يلجئهم إلى المعاصي ويعذبهم، وتنزيها لله عن الشر وفعل القبائح. فهي حجة جدلية صرفة وليست شهادة واقعية لإثبات أن الله لا يتدخل في إيمان العباد أو كفرهم وإلا لجعلهم جميعا مؤمنين. ونحن لا نتحدث إلا عن الأفعال في الدنيا وليس عن الأفعال في الآخرة التي لا نعلم عنها شيئا والتي لم نشاهدها ولم نعشها ولم نعرفها إلا بقياس الغائب على الشاهد. خلق الإيمان بالالجاء هو أيضا جبر وليس فعلا اختياريا. وإذا كان الهدف هو إثبات قدرة الله دون قدرة الإنسان فالأولى إثباتها مباشرة دون ما حاجة إلى الإلجاء. ولماذا اللف والدوران عن طريق الإنسان؟ وهل الله يتخذ الإنسان ذريعة أو خديعة؟
19 (1-3) حجج الجبر
ويعتمد الإيهام بالجبر على عديد من الحجج النقلية أكثر من اعتماده الحلول المتوسطة بين الجبر والاختيار وأكثر من اعتماد التجربة الواقعية لخلق الإنسان لأفعاله، وذلك لأن الجبر نظرية السلطة تستعملها لفرض نفسها وقبول الناس لها؛ ومن ثم تستعمل السلطة السياسية حجج السلطة الدينية حتى يكون الموضوع والمنهج من النوع نفسه. ولأنه يصعب الدفاع عن الجبر عقلا فإنه لا سبيل إلا الدفاع عنه نقلا. وحجة النقل باعتباره سلطة هي في الحقيقة اختيار لنقل أو إسقاط من الأهواء والمصالح على النقل وابتسار ما يتفق معها منه؛ ومن ثم لا يوجد نقل إلا ومعه نقل مضاد لأهواء ومصالح متعارضة. ويكون الخلاف في التفسير هو في حقيقة الأمر تعارضا بين المصالح. ولما كان في كل مجتمع سلطة ومعارضة، قاهر ومقهور، أغنياء وفقراء، علية ودهماء، أقلية مسيطرة وأغلبية مقهورة؛ ظهر النقل نقلين. كل فريق يبتسر من النقل ما يتفق معه في مجتمعه، النقل فيه حجة وسلطة وهو مصدر للشرعية والطاعة. وما أسهل اتهام كل فريق بسوء التأويل أو سوء الفهم للآيات واستعداء النصوص على المواقف الفكرية التي تعبر عن المواقف السياسية أي استعداء السلطة على الخصوم وخاصة أن السلطة السياسة هي الحارس للسلطة الدينية وأن سلطة الحاكم هي الحارس لسلطة الكتاب والمستمدة منه. والنصوص متشابهة خاصة فيما يتعلق بالمتشابهات تعبيرا عن هذا الموقف الاجتماعي المزدوج وإعطاء كل فريق حقه في النضال السياسي والاحتكام إلى السلطة الشرعية. فإذا ما أعطى في بعض النصوص المتشابهة الأولوية للفعل الإلهي على الفعل الإنساني فإنما يكون ذلك تأدبا وتأكيدا للحق النظري الشرعي لله. كما أنه يكون في سياق خاص تدعيما للمعارضة وتشجيعا لها وتقوية لحقها ورفعا لمعنوياتها حتى لا يقع الفعل الإنساني تحت منظور قصير فيصاب باليأس والتشاؤم والإحباط. فلا تخرج الآيات من سياقها، أي من «أسباب النزول». وقد نزلت أمثال هذه النصوص في مجتمع ديني في أول عهد الناس بالرسالة دفعا للإيمان، وتأكيدا للألوهية كعامل نصر فريد ليس له وجود عند الآخر في مرحلة الفتح وليس تدعيما لفريق ضد فريق داخل المجتمع الجديد، وليس نصرة للسلطة على حساب المعارضة بعد قيام الدولة.
20
كما يعتمد الإيهام بالجبر على شبهة لا تثبت الجبر بقدر ما تثبت حرية الإنسان وتعبيره عنها بأعمال العقل وقدرته على الفرض. وهي شبهة مستمدة من قصص وليس من حكم، وهي قصة إبليس في صراعه مع الله. فالعلم السابق بوقوع الحوادث لا يمنع من اختراق الحرية الإنسانية لهذا العلم وإيقاع الحوادث على نحو غيره إثباتا لحرية العقل، وإعلانا على أن العلم الإلهي المسبق ليس جبرا للأفعال أثناء تحققها، وعلى الفرق بين الحق النظري والأداء العملي. كما تشير القصة إلى أن الإنسان سيد الكون، وله تخضع كل المخلوقات لأنه هو الفاعل الحر، وغيره من الكائنات الطبيعية أو الإلهية لا حرية لها، بل يمتثل ويطيع دون اختيار آخر أو بديل، لا فرق في ذلك بين الأرض والسماء وكل الموجودات الطبيعية وبين الملائكة والجن والشياطين. كما تدل القصة على أن لكل فعل حكما، وأن كل حكم يتضمن جزاء، وأن إنكار سيادة إنسان على الكون حكم يتطلب جزاء. وتشير أخيرا إلى أن الإنسان بين عالمين، الإقدام والإحجام، التقدم والنكوص، الرفعة والذل، والحرية هي التي توجه الإنسان إلى هذين العالمين. الإنسان هو المتحدي، وحريته تظهر في المقاومة، مقاومة الإغراء، والنظر إلى ما هو أبعد، والتضحية، وعدم الاستسلام. القدرة واحدة، والإرادة واحدة سواء على الكفر أو على الإيمان. والمحك هو الاختيار القائم على العقل والرؤية والقصد.
21
وتكون الحرية داخلية صرفة، غير مرئية، حرية الإيمان وعدم الإيمان. وهذا لا يتأتى إلا من الوعي الخالص المستقل عن شوائبه المادية عن مصلحة، وغاية قصيرة، وصغائر. أفعال الشعور الداخلية إذن أفعال حرة بقدر ما هي مرتبطة بغايات الإنسان وأهدافه واتجاهاته. للإنسان السيطرة عليها بالعلم والإرادة والقدرة والحياة. قد لا تبدو فيها حرية الأفعال ظاهرة ولكنها أفعال حرة بتحليل التجارب الشعورية واستبطان أفعال الشعور. ولماذا يثبت قياس الغائب على الشاهد في الصفات وينفى في الأفعال؟ وإذا كان هذا المقياس أساس الفكر الديني كله بصرف النظر عن موضوعاته، التوحيد أم العدل، فلماذا يستعمل في التوحيد دون العدل؟ لماذا لا يكون الشاهد هو إثبات خلق الأفعال وبالتالي قياس الغائب عليها قلبا؟ ألا تثبت التجربة أن الإنسان صاحب أفعاله؟ ولماذا ابتسار التجربة الإنسانية وأخذ ما اتفق منها مع الموقف الديني السياسي المسبق الذي يعطي الأولوية للفعل الخارجي، لله أم للسلطان على الفعل الإنساني؟ إن التجارب المضادة لحرية الإنسان وخلقه لأفعاله لا تثبت الجبر، بل تبين إمكانات القدرة البشرية وحدودها وموانعها وعقباتها من أجل إظهارها وشحذها وإعادة النظر في طرق ممارستها، فهي معها لا ضدها، وجزء منها لا خارجا عنها.
Bilinmeyen sayfa