ثم تتابعت الأجيال، واتصلت العصور، وتطور العقل الإنساني حتى أصبحت هذه الطفلة في السابعة من عمرها تسألني حين أقص عليها أحاديث الأودسا وأعاجيبها، وأخبار السندباد البحري: أحق هذا الحديث أم أنت تمزح؟ وكنت أترك ابنتي تلاعب أخاها وتلهو مع أترابها، وأنصرف إلى قرينتي فنأخذ في ألوان من الحديث منها الجد والهزل، وربما انتهزنا غفلة الطفلين فقرأنا فصلا من كتاب أو مقالا من صحيفة، حتى إذا أقبل الليل جلس السفر بعضهم إلى بعض يتحدثون، وانصرفت طوائف منهم إلى «البيانو»، فمنهم من يعزف ومنهم من يرقص، وانصرفت طوائف أخرى إلى ألوان من اللعب بين نرد وشطرنج وورق حتى يتقدم الليل، وعلى هذا النحو قضينا أربعة أيام وبعض يوم لم تخل من بهجة لا تعدلها بهجة حين ظهرت السواحل الإيطالية، وحين مضت السفينة بنا في مضيق «مسينا» فالناس جميعا ينظرون، منهم من يعجب بالساحل وجماله، ومنهم من يذكر كوارث مسينا، ومنهم من يمضي في الذكرى إلى عهد بعيد فيتمثل الحياة اليونانية والرومانية والفينيقية على هذه السواحل وفي هذا البحر، ويذكر ما امتلأت به هذه الحياة القديمة من لذة وألم ومن جمال وكآبة، ويذكر ما تغنى به الشعراء القدماء من ألوان هذه الحياة. ثم تحدث الناس أننا سنصبح في مرسيليا، وانصرف الناس عن حديثهم ولهوهم إلى حقائبهم يحزمونها وإلى متاعهم يعدونه، ولكن السفينة التي كانت هادئة مطمئنة أخذت تضطرب قليلا قليلا، وما هي إلا ساعات حتى كان اضطراب البحر قد انتهى إلى أقصاه، وحتى كان الناس لا يكاد يسمع بعضهم بعضا إذا تحدث بعضهم إلى بعض. فالموج مصطخب والريح تعصف عصفا، والسفينة لا تتمايل، وإنما يتقاذفها الموج. وقضينا الليل في هذا الهول، وأصبحنا وقد أشرفنا على الساحل الفرنسي بل بلغناه، فهذه أبنية مرسيليا يراها الناس ويشيرون إليها، وليس من شك أننا سنترك السفينة بعد ساعة أو ساعتين. كلا! لن نترك السفينة بعد ساعة أو ساعتين ولا ساعات. لماذا؟ تستطيع أن تبحث، وأن تتكلف العناء في البحث دون أن تجد جوابا على هذا السؤال، فيحسن أن أجيبك أنا.
كان بين أهل السفينة شرقي أخذه حر شديد، بينما كانت السفينة تجتاز القناة، فما هي إلا أن رأى بطيخ مصر فاندفع إليه اندفاعا وأكل بطيخة بأسرها، ثم كأن البطيخة لم تنقع غلته فعمد إلى ماء مثلج فشرب منه ما أذن الله له أن يشرب، ولم تكد السفينة تتجاوز مصر حتى أخذ صاحبنا قيء ومشاء، ودعي الطبيب فلم يؤمن للبطيخ ولا للماء المثلج، ولا سيما وقد حسنت حال صاحبنا بعد يوم وليلة فلم يبق من قيئه ومشائه إلا بطن منتفخ، ولم يشك الطبيب في أن الرجل مطعون ... وكان هذا الرجل في الدرجة الرابعة، فلا أحدثك عن عناية الطبيب به وإشفاقه عليه. فانظر إليه تحوطه عناية الطبيب والخدم، وانظر إليه في سرير نظيف نقي، وانظر إليه تقدم إليه ألوان الطعام مختارة منتقاة، وانظر إليه يحمل من حين إلى حين إلى حيث يتنسم هواء البحر، وكأن الرجل قد استعذب هذه الحياة واستلذها فتمارض وأمعن في الشكوى، وشك الطبيب وأمعن في الشك، فأبرق إلى مرسيليا أن قد ظهر الطاعون في السفينة، وكتم الطبيب وربان السفينة الخبر عن المسافرين حتى لا يأخذهم وهم ولا وجل. فلما أشرفت السفينة على مرسيليا أنبئنا أن السفينة ملوثة، وأن لا بد من الحجر الصحي ، وأننا سنمكث على بعد من الساحل خمسة أيام نرى الأرض ولا نستطيع أن نطأها. تستطيع أنت أن تتمثل نفسية المسافرين - كما يقولون - عندما وقع عليهم هذا النبأ وقع الصاعقة، ولكن المسافرين ولا سيما الذين أبحروا من مصر ليسوا شيئا إلى جانب البحارة والذين أبحروا من أقصى الشرق، فقد كان هؤلاء الناس قد قضوا في البحر شهرين أو أكثر من شهرين، وكانوا يتحرقون شوقا إلى فراق البحر، وإذا هم يقضى عليهم أن يحجزوا في السفينة خمس أيام.
وقضينا ساعات في هذا الاضطراب، ثم أقبلت زوارق تحمل الأطباء، وذاع النبأ أن هؤلاء الأطباء قد أقبلوا ليمتحنوا المسافرين واحدا واحدا؛ فمن رأوه بريئا أذن له بترك السفينة، ومن رأوه مريضا أو كالمريض حجروه، ولكن الأطباء لم يمتحنوا أحدا، وإنما قضوا ساعات يدفعون إلى المسافرين جوازات صحية، ويكلفونهم أن يقدموا هذه الجوازات في أمد لا يتجاوز خمسة أيام إلى عمدة المدينة أو القرية التي يقصدون إليها؛ ليتحقق هذا العمدة من أمر المسافرين أمطعونون هم أم بارئون من الطاعون؟ وكانوا كلما دفعوا إلى مسافرا جوازا كتبوا كتابا إلى عمدة المدينة أو القرية ينبئونه بأن فلانا قادم إلى مدينته أو قريته، وأن حالته الصحية تدعو إلى الحذر والاحتياط، فلا بد من امتحانه والاحتياط لأمره، وانقضى أكثر النهار في هذا العبث الصيني كما يقول الفرنسيون، وأذن للمسافرين جميعا أن يطئوا الأرض إلا البحارة وعمال السفينة، فقد قضي عليهم بالحجر خمسة أيام، وبلغنا القرية التي كنا نقصد إليها، وذهبنا في اليوم الخامس إلى العمدة، وكنت أتحدث بأن لا نذهب، ولكن الجواز الصحي الذي دفع إلينا كان يشتمل على طائفة من مواد القانون الصحي تبين العقوبات أو الغرامات التي نتعرض لها إذا أهملنا. فذهبنا ولم نر العمدة، وإنما رأينا سكرتير العمدة، وسكرتير العمدة في معظم القرى الفرنسية هو معلم القرية، وهو يشبه فقيه الكتاب عندنا. رأينا هذا المعلم وقصصنا عليه قصتنا فلم يكد يسمع أول الحديث حتى أظهر عناية؛ لأنه تسلم كتاب الأطباء منذ أيام، وأخذ يبحث عن هؤلاء المسافرين الذين يوشكون أن يحملوا الطاعون إلى قريته دون أن يوفق إليهم، فلما رآنا خيل إليه أن قد ظفر بطلبته. وأؤكد لك أنا قد تكلمنا كثيرا لنقنعه بأنه ليس في حاجة إلى إحالتنا على الطبيب. على هذا النحو انتهت رحلتنا، وما كنت لأقص عليك هذا القصص لولا أن فيه عبرة لا بأس بالتفكير فيها. أرأيت إلى مئات من المسافرين يضطربون ويحزنون يوما كاملا؟ أرأيت إلى مصلحة الصحة في مرسيليا تضطرب وتعنى هذه العناية وتتكلف هذه النفقات؟ أرأيت إلى مئات من العمد في قرى فرنسا يضطربون ويشفقون من الطاعون أن يصيب قراهم؟ كل ذلك لأن رجلا ظمئ فأكل بطيخة وشرب أقداحا من الماء المثلج!
أشهد أن هذه الحياة لا تخلو من عبث، بل أشهد أن هذه الحياة كلها لون من ألوان العبث وفن من فنون المزاح، تضحك حينا وتحزن حينا آخر، وهي مضحكة حين تحزن ومحزنة حين تضحك، هي عبث كلها. نعم! إني لأفكر في أمر هذه البطيخة التي استتبعت ما استتبعت من الأحداث فلا أضحك ولا أمزح، وكثيرا ما ضحكت ومزحت حين كنت أفكر في أمرها، ولا أضحك الآن ولا أمزح، وإنما أفكر في هذا الأمر مع حزن شديد؛ لأني أرى أن الحياة كلها تجري على نحو ما جرى أمر هذه البطيخة؛ ذلك أن أنباء مصر قد وصلت إلي فقرأت فيها ما قرأت، وابتسمت فيها لأشياء، وبكيت فيها لأشياء أخرى، ولم يبق لي من هذا البكاء وذلك الابتسام إلا أني تركت أصدقاء كنت أتمنى لقاءهم بعد عودتي، وأتحدث بما سأجد من لذة حين ألقاهم، وأستأنف معهم صلات الصفاء، وتركت كذلك خصوما كنت أفكر في أني سأعود إلى خصومتهم، وسألقى منهم شرا وسيلقون مني شرا، فإذا أنا الآن مقتنع بهذه الحقيقة المؤلمة، وهي أني لن أجد هؤلاء الأصدقاء ولن أجد هؤلاء الخصوم. لن أصافي أولئك ولن أخاصم هؤلاء؛ لأن الله قد آثرهم بالحياة في تلك الدار التي لا تجري فيها الأمور على نحو ما تجري عليه في حياتنا من اللهو والعبث . •••
انتهى بنا سفر طويل لم يخل من مشقة إلى هذا البلد الصغير الذي قضينا فيه أسابيع ما أظن أني قضيت مثلها في بلد قبله. ليس بالقرية ولا بالمدينة، ولكنه شيء بين بين، فيه حضارة المدن ولا سيما في الصيف حين يأوي إليه الناس من كل صوب يلتمسون الراحة، ويستمتعون بالطبيعة التي تريك فنونا من الجمال قلما تظفر بها في غير هذه البيئة من فرنسا، فيه حضارة المدن وفيه سذاجة القرى، فأنت تجد فيه من العادات والخصال ما يذكرك بما كنت تقرأ من تاريخ هذا القسم من فرنسا قبل أن تبلغ أوروبا ما بلغت من هذا الرقي الحديث. تجد قوما يحتفون بأزيائهم القديمة، ويتحدثون لهجتهم الخاصة التي لا يفهمها الفرنسيون من غير هذا الإقليم، فإذا تحدثوا الفرنسية فلهم فيها لهجة تميزهم من غيرهم من الناس، ولهم عاداتهم في عباداتهم وفي غير عباداتهم من مظاهر حياتهم العامة، ولكني لم أكتب لأحدثك عن هؤلاء الناس، ولا لأحدثك عن هذا البلد، فلست أكتب رحلة، وإنما هي خواطر خطرت لي أتحدث بها إليك من حين إلى حين.
لا أعرف مكانا كهذا المكان يدعو إلى التفكير والتأمل، ويبعث فيك نشاطا نفسيا غريبا ينطقك بالشعر إن كنت شاعرا، ويحبب إليك قراءة الشعراء إن لم يكن لك حظ من الخيال. لا أغلو ولا أبالغ؛ فأنت لا تكاد تخطو في هذا البلد أو حوله خطوة إلا سمعت هذه الأنغام الموسيقية اللذيذة التي تختلف لينا وعنفا، وتتباين نحافة وضخامة، والتي تتغنى بها هذه الغدران المتدفقة من أعلى الجبل. في كل مكان غدير ينحدر أو نهير يجري أو سيل يتدفق. هنا غدير هادئ يسعى في لين ورقة فيسمعك نغما رقيقا عذبا، وهنا نهير ليس بالهادئ ولا بالثائر، تسمع له فلا تستنيم ولا تضطرب، وإنما تقف وقد استعذبت الحياة ووددت لو تستزيد منها، وهنالك سيل ثائر ينحدر في عنف، ويدفع بين يديه صغار الأحجار وضخامها، ويسمعك هديرا كقصف الرعد يأخذ عليك سمعك، ثم يأخذ عليك نفسك، ثم يبهرك فإذا أنت لا تسمع من حولك ، وإذا أنت كلك إعجاب بهذا الجلال الذي لا حد له، وكل هذه الغدران والنهيرات والسيول تسعى وتجري وتتدفق شاقة غابات تختلف كثافة ونحافة، وتأخذ جوانبها من كل مكان، وقد اختلفت فيها الأشجار، وانبثت في أرضها أنواع من العشب والزهر لا يبلغها الإحصاء ولا ينالها العد، وامتلأ الجو من عبير هذه الأزهار، وأنفاس هذه الأشجار، وريح هذه الأعشاب بشيء من العطر لا تستطيع أن تميزه ولا أن تحلله إلى أجزائه، ولكنك تستمتع به استمتاعا غريبا، وتكاد تلمس بيديك ما يبعث في جسمك من الحياة، وإلى هذا النغم المائي، وإلى عبير هذه الغابات تضيف الطير ألحانها المختلفة التي تصل إلى أذنيك في سهولة ويسر إذا كنت إلى غدير هادئ أو نهر غير ثائر، والتي لا يصل إلى سمعك منها إلا أطراف خفية دقيقة مختلفة إذا كنت إلى سيل ثائر مضطرب. ثم أنت لا تسعى في هذه الأرض على مكان سهل منبسط، وإنما أنت مصعد أبدا أو منحدر أبدا، ويظهر أن الذين يبصرون يجدون في هذا التصعيد والانحدار روعة لا تعد لها روعة، يشرفون فيروعهم منظر ثم ينحدرون فيروعهم منظر آخر، ويظهر أن هذه المناظر المختلفة الرائعة تتباين إلى غير حد باختلاف الجو صفوا وكدرا، وباختلاف ما ترسل الشمس من أشعتها على هذه القمم المحيطة بك، والتي يجللها الثلج أبدا، والتي تقدم إليك من مختلف الألوان نماذج ساحرة.
وأجمل ما يكون هذا المكان وأشد ما تكون فيه تأثرا وشعورا بضآلة الإنسان وجلال الطبيعة حين يظلم الجو، وتكفهر السماء، وتتكاثف السحب بعضها فوق بعض؛ منها ما هو فوقك، ومنها ما هو تحت قدميك، ومنها ما يكاد يحاذيك. ثم يضطرب هذا كله ويصطدم فإذا رعد يقصف قصفا رائعا مهيبا، وإذا برق يأخذ أنحاء الجو، وإذا الجبال المحيطة تردد أصداء هذا الرعد القاصف، وإذا هذه السحب قد انشقت فانهمر المطر انهمارا، وإذا هي ساعة أو بعض ساعة وقد هدأ كل شيء، واستنار كل شيء، وظهرت الشمس ساطعة بهية، ومر بهذه الغابات والأزهار والأعشاب نسيم عليل بليل يحمل إليك عطرا نديا.
في هذا البلد «أرجليس» «جازو» قضينا ثلاثة أسابيع، وفيه فكرت كثيرا وتأملت كثيرا ووددت كثيرا لو استطعت أن أكتب، ولكن الله أراد ألا أكتب، وكنت قد أردت ذلك أيضا.
نعم، كنت قد بلغت من التعب حظا عظيما قبل أن أترك مصر، وكنت قد انتهيت من ذلك إلى أن كرهت القراءة والكتابة وكل ما يقرأ وكل ما يكتب، فعزمت إذا أتاح الله لي السفر أن أقضي شهرا كاملا لا أقرأ فيه ولا حتى أسمع بقراءة ولا إملاء، وقد تم لي ذلك وأقسم لقد كنت به شقيا كل الشقاء، ذلك أنا نخطئ الخطأ كله في تقدير آلامنا وفي تقدير لذاتنا وفي تقدير حاجاتنا. يبلغ بنا الألم أقصاه أحيانا فيخيل إلينا أنه قد بلغ بنا أقصاه حقا، وأنا لن نستطيع أن نحتمل ألما فوق ما احتملنا، ثم نتمنى الراحة ونطمح إلى اللذة، فنقيس الراحة التي نتمناها، واللذة التي نطمح إليها بمقياس التعب الذي لقيناه والألم الذي احتملناه، نتمنى راحة مطلقة ولذة لا حد لها، فإذا أتيح لنا أن نستريح فما أسرع ما نمل اللذة وما أسرع ما نتمنى الألم! كذلك كنت في «أرجليس» ضيق الذرع بهذه الراحة التي اضطررت نفسي إليها، شديد السأم لهذه اللذة التي طالما طمعت فيها، عظيم التمني لذلك الألم الذي طالما شكوت منه، وكانت زوجتي تضحك مني وتتخذني سخرية، وربما رقت لي فقرأت علي فصلا أو فصولا من كتاب، ولكنها كانت قد آلت كما آليت أن أستريح فلا أحدثك عن هذه الراحة الثقيلة.
هناك خاطر يخطر لي في كثير من الأحيان، ولست أدري أيخطر لغيري من الناس أو هو مقصور علي؛ لأن حالي الطبيعية هي التي تضطرني إليه ... ذلك أني أبغض نفسي أشد البغض، وأبغض معها الحياة، وأرى كل شيء سيئا مرذولا، فأسأم كل شيء، وأزهد في كل شيء، وإنما تعرض لي هذه العلة إذا اتصلت خلوتي إلى نفسي كما اتصلت في هذه الراحة التي أكرهت نفسي عليها. إذا اتصلت خلوتي إلى نفسي فلم أقرأ ولم أكتب ولم أشترك في الحياة العامة، وإنما انقطعت إلى نفسي أحيا هذه الحياة الخاصة الفاترة التي تكاد تنحصر في الحياة الجسمية، في هذا الطور من أطوار الحياة يخلو الإنسان إلى نفسه حقا، وإذا كان العقل الإنساني لا يعرف الراحة ولا يستطيعها، وإنما هو مفكر أبدا مشتغل أبدا، فإن العقل في أول هذه الخلوة يمضي في عمله وتفكيره معتمدا على ما بقي له من المادة الفكرية أثناء العمل وقبل الراحة. فإذا فرغ من هذه المادة بحثا وتفكيرا احتاج إلى تجديدها، احتاج إلى الغذاء المعنوي كما يحتاج الجسم إلى الغذاء المادي، ولكنه قد أكره نفسه على الراحة، وأخذ نفسه بألا يقرأ ولا يعمل، وهو مع ذلك مضطر إلى التفكير بطبيعته، وهنا الشر كل الشر، فهو يبدأ في أن يفكر تفكيرا خطرا، يبدأ في أن يتخذ نفسه موضوعا للتفكير كما تبدأ المعدة الخالية في هضم نفسها، يفكر الإنسان في نفسه فيحللها، ويبالغ في تحليلها، ويدرس الدقائق من عواطفه ومشاعره وأهوائه درسا مفصلا دقيقا، فلا يرى من هذا كله إلا ما يشعره بأنه ضئيل ضعيف، بأنه ليس شيئا يذكر، بأنه ليس شيئا يستحق الحياة، وربما فكر في الحياة فرأى أنها ليست شيئا يستحق العناية.
Bilinmeyen sayfa