فإني لما نظرت إلى ما وسعه الناس من الفنون والعلوم، وتشعب ما انطوت عليه من المنطوق والمفهوم، والاختلاف الطويل العريض بين أرباب النهى والحلوم، وتفكرت فإذا هذا العمر القصير لا يتسع لتعلم كل مستحسنها، فضلا عن فضولها ومستهجنها، رأيت أن الاشتغال بالأهم منها هو الصواب، والمتعين فرضه في محكم السنة والكتاب، وذلك ما لا يعذر بجهله أحد من ذوي الألباب، وهو معرفة الله ومعرفة ما يرضيه وما يسخطه، واتباع ما يرضيه، واجتناب ما يسخطه، وهذه الوجوه شاملة لمسائل الاعتقاد والعبادات، والمعاملات، والمأمورات، والمنهيات، وغيرها من الآداب ومكارم الأخلاق، وكان كتاب الله هو الكفيل بتلك العلوم النافعة، والمطلع لأنوارها النيرة الساطعة، والنهر الجاري المروي لتلك الحدائق المتدلية قطوفها اليانعة، فصرفت همتي، ووجهت عزمي، وبذلت جهدي في تدبر آياته، والتأمل لدلالالته، والغوص في قعور بحوره، والاستبصار بضيائه ونوره، لاستخراج المهم من المسائل الاعتقادية وغيرها من ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، ولا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه، وجعلت الكتاب العزيز أصلا ومرجحا لما طابقه من مختلفات الأدلة، قاضيا على ما خالفه بأنه من تمويهات أهل البدع المضلة، مع الاستعانة بأنظار الأئمة وغيرهم من علماء الأمة، وجمعت ما تحصل من الفوائد، وما قيدته من الشوارد في هذا الكتاب حفظا لها من الضياع، وتقريبا لمن يريد الانتفاع، لا سيما نفسي الموسومة بالملل عن معاودة النظر، وقلة الحفظ والتذكر لمتفرقات الأدلة على الوجه المعتبر، وسميته: (مفتاح السعادة في المهم من مسائل الاعتقاد والمعاملات والعبادة)، وأنا أسأل الله أن ينفعني به في الدين والدنيا والآخرة، وأن يجعله لي لديه عند لقائه ذخرة نافعة فاخرة، وأن ينفع به عباده حتى يكون لي عملا صالحا يتبعني إذا صارت عظامي رميما ناخرة، إنه المتفضل علينا بصنوف النعم الباطنة والظاهرة.
Sayfa 39