137

والجواب: لا نسلم القبح مطلقا، وإنما يقبح إذا تضرر، ولذا لا يستقبح من أحدنا النظر في مرآة غيره، والاستظلال بشجرته، ونحو ذلك مما لا ضرر فيه على المالك، فكيف بمن لا يجوز عليه التضرر في حال من الأحوال، سلمنا فنقول: التمكين من أملاكه مع العقل المميز لما يؤخذ وما يترك إذن منه تعالى لنا بالتصرف، وطريقة التمييز ما تقدم من أنه لا يجوز خلقها لغير غرض، وأنه لا يجوز أن يكون الغرض عائدا عليه تعالى، ولا إرادة الضرر بنا فتعين أنه نفعنا، فعلمنا بذلك حسن الانتفاع بما فيه نفع، والاجتناب لما فيه ضرر، وصار الحال في ذلك كالممكن من أملاكه الناصب للعلامة فيما يؤخذ منها وما يترك.

الوجه الثاني: أن هذه المنافع تحتمل الإباحة، ويحتمل أن يكون تناولها مفسدة فقبح الإقدام عليها كالخبر الذي يحتمل الصدق والكذب فإن الإقدام عليه يقبح، وأجيب بأن العقل قاض بقبح الإقدام على الخبر المحتمل؛ لكونه على صفة لا يؤمن معها ارتكاب القبيح، وليس ثمة ما يرفعها، بخلاف المنافع فإن كونها على صفة يمكن الانتفاع بها يدعو إلى تناولها ولحسنه، ولم يرد عقل ولا سمع بالمنع فافترقا.

احتج أهل الوقف وهم الأشاعرة بأن كون هذه الأشياء ملك لله يقضي بالمنع من الانتفاع بها إلا بإذنه، وكونها مهيئة للانتفاع، ولم يرد في العقل ولا في السمع ما يمنع من الانتفاع يقضي بالإباحة فوجب الوقف، والجواب يعلم مما تقدم.

Sayfa 137