135

[الأدلة على أن الانتفاع عقلي]

هذا وأما الحجة لما ذهب إليه أئمتنا" ومن وافقهم من حسن الانتفاع بما لا ضرر فيه مما لم يرد فيه حكم شرعي من الأشياء فمن وجوه:

أحدها: عدم حكم العقلاء بذم من استظل تحت شجرة، أو تنفس في الهواء، أو مشى في الفضاء، وعدم حكمهم أيضا بمدحه وثوابه وعقابه، فوجب القول بحسنه لما مر من أن الحسن ما لا عقاب عليه ولا ذم.

الثاني: أنا نقطع بأن كل نفع لم تشبه مضرة فإنه يحسن الانتفاع به، كما نقطع بحسن الإحسان، ونعلمه ضرورة من غير فرق.

الثالث: أنه لابد في خلقها من غرض، وإلا كان عبثا، والغرض لايجوز عوده إلى الباري تعالى لاستحالة الضر والنفع عليه تعالى، فلا بد من عوده علينا، ثم ذلك الغرض إما أن يكون ضررا، أو نفعا، الأول باطل لأنا لا نعلم في تناولها ضررا، بل نفعا عظيما، ولأنها لو ضرت لم تضر إلا بتناولها، وفي ذلك إباحتها أيضا، ولأنه تعالى لا يحصل منه الضرر، ولا القصد إليه لغير المستحق له لتعاليه عن الظلم، فتعين الثاني وهو أن غرضه تعالى انتفاعنا بها للتنعم، ولا يتم الانتفاع إلا بإدراكها وتناولها، وفي ذلك إباحتها.

الرابع: أنه لا خلاف في حسن ما يضطر إليه الإنسان كالتنفس في الهواء، والشرب من الماء الجاري عند عطشه، ونحو ذلك مما تدعو إليه الضرورة، فكذلك سائر المنافع بعلة أنها منفعة لا مضرة فيها على أحد.

قال في (الجوهرة): وبذلك بطل قول الواقفية؛ لأن ذلك قول بالحظر، فإن من لا يعلم حسن الشيء لا يحل له أن يفعله، واعترضه الدواري فقال: ليس ذلك قول بالحظر؛ لأن القول بالحظر النطق بأن هذا محظورا، أو اعتقاده أو ظنه، والواقفية لا يقولون بذلك، ولا يعتقدونه ولا يظنونه.

Sayfa 135