وإبعاده عَنْهَا قَالَ إِن لم أدْرك الفرصة مِنْهَا الْآن مَا أَعُود أقدر عَلَيْهَا فَرَحل من الْموضع الَّذِي كَانَ فِيهِ واستقبل طريقها فَلَمَّا وَصلهَا أَخذ ربضها من سَاعَته وَأطلق يَده بِالْقَتْلِ فَقتل من البربر الَّذين بهَا مَا زَادَت عدته على ألفى رجل وَكَانَ سكان هَذَا الْجَبَل وجبل نفوسة ومطماطة وزنزفا وملاقة ومقرة وعربان وَكلهمْ خوارج يلعنون عليا ﵇
وَلما رآي أهل القلعة مَا حل بِأَهْل الربض من الْقَتْل والنهب ارتاعوا واعتقدوا أَن لَا منجا لَهُم وَكَانُوا غير خبراء بِحِفْظ القلاع فراسلوه على أَنهم يأمنون على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فَأَمنَهُمْ وانتهز الفرصة فِي يومهم وَمَا جَاءَ اللَّيْل حَتَّى خَرجُوا من القلعة بِمَا قدرُوا عَلَيْهِ وأطلقوا جملَة من خيلهم ومتاعهم وبقى الثّقل من الْغلَّة والأثاث فَأخذ مِنْهُ مَا قدر عَلَيْهِ وَبقيت القلعة فِي يَده
وَسمع عُثْمَان مَا جرى فِي قلعته وربضها فضاقت عَلَيْهِ الأَرْض وَمَا كَانَ لَهُ سَبِيل إِلَّا مراسلة شرف الدّين قراقوش وسؤاله الْعَفو عَنهُ وَأَن يكون غُلَاما لَهُ وَأَن يكون الْجَبَل كُله فِي طَاعَته فَأَمنهُ وَأَعَادَهُ إِلَى قلعته وخلع عَلَيْهِ وأحضر لَهُ أهل الْجَبَل من أطاعه مِنْهُم واستحلفه على الطَّاعَة وَأعْطى الْبِلَاد الأجناد إقطاعات وَسَار بِهِ إِلَى مَا بقى من القلاع العاصية فَنزل على قلعة الْعَطش وَهِي قلعة عَجِيبَة حكى لي بعض أَصْحَابِي مِمَّن أَثِق بِهِ بعد مَا أقسم بِاللَّه أَنه مَا رأى بِالشَّام قلعة أَعلَى مِنْهَا وَلَا أحصن فَنزل تحتهَا وَهِي عالية جدا لَا يصل إِلَيْهَا النشاب فَأَقَامَ تحتهَا ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا لَا يقاتلها لِأَنَّهَا لَا تقَاتل فاتفق فِي الْيَوْم التَّاسِع عشر أَن إنْسَانا من عبيد شرف الدّين تحيل وتسلق فِي الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ القلعة وَلم يزل يتسلق من مَوضِع إِلَى مَوضِع إِلَى أَن قَارب سورها واختبى تَحت قلاعة لَا يصل إِلَيْهِ حجر لِأَن النشاب عِنْدهم قَلِيل
1 / 54