فأما ما ذلك الشيء وما حقيقة ذاته فغير داخل في مفهوم هذه الألفاظ إلا على سبيل الإلتزام حتى لا يعلم من اللفظ بل من طريق عقلي يدل على أن هذا لا يتصور إلا لجسم ذي نفس. فإذا سئل عن جسم: ما هو؟ فقلت: أبيض؛ لم تكن مجيبا وإن كنا نعلم من وجه آخر أن البياض لا يحل إلا جسما، ولكن نقول دلالة الأبيض على الجسم بطريق الإلتزام، وقد قدمنا أن المعتبر في دلالة الألفاظ طريق المطابقة والتضمن، ولذلك لا يجوز الجواب عن الماهية بالخواص البعيدة وإن كانت تدل بطريق الإلتزام فلا يحسن أن يقال في جواب من يسأل عنماهية الإنسان أنه الضحاك، وأن كان يدل بطريق الإلتزام.
فإن قال قائل: قد ادعيتم أن الماهية مهما حضرت في العقل كان جميع أجزائها حاضرا، وليس كذلك، فإنا إذا علمنا الحادث فإنما نعلم شيئا واحدا مع أن أجزاء ذاته كثيرة، إذ معناه وجود بعد العدم ففيه العلم بالوجود وبعدم ذلك الوجود، وبكون العدم سابقا، وكون الوجود متأخرا وفيه العلم بالتقدم والتأخر وفيه العلم بالزمان لا محالة، فهذه المعلومات كلها لا بد من حضورها في الذهن حتى يتم أجزاء حد الحادث والناظر في الحادث لا تخطر له هذه التفاصيل وهو عالم به.
فالجواب أن جميع الذاتيات المقومة للماهية لا بد أن تدخل مع الماهية في التصور، ولكن قد لا تخطر بالبال مفصلة فكثير من المعلومات لا تخطر بالبال مفصلة، ولكنها إذا اخطرت تمثلت وعلم أنها كانت حاصلة، فإن العالم بالحادث أن لم يكن عالما بهذه الأجزاء وقدر أنه لم يعلم إلا الحادث ثم قيل له: هل علمت وجودا أو عدما أو تقدما أو تأخرا؟ فلو قال: ما علمت؛ كان كاذبا فيه.
1 / 105