قد رُكّز عل شرفة أحسن إعدادها فإن المعجزة ممكنة الحدوث. ولكن علينا أن نفهم أثر معجزة كهذه في خيال قوم سذج.
وفي تبسة كان الشيخ المرابطي فى تلك الفترة يجلس في المقاهي يشرب خمرة اليانسون (Anisétte)؛ ويسقي مريديه تواطؤًا مع صاحب المقهى شراب اللوز. أعني ذلك الشراب ذا اللون الحليبي نفسه الذي يتخذه خمر اليانسون إذا ما أضيف إليه الماء.
وكان المعلّق يقول: «ألا ترى أن خمرة اليانسون تصبح في حلق سيدنا الشيخ شرابًا؟».
ومن أجل أن تدخل الإدارة في رأس مستعمَريها (أبناء البلاد) تلك الجرعات من السذاجة الضرورية لمصالحها الخاصة، كانت في تلك الفترة وخصوصًا في وهران، تعمد إلى حرق أكوام قمح أوربي مستعِمر رفض أن يعير أدواته ليحصد بها قمح (سيدي المرابط الفلاني).
وكان المعلق يقول:
- «أترى أية كرامة لسيدي فلان؟ فالمستعمِر الذي رفض أن يعيره أدواته قد احترق موسمه».
وأنا نفسي كدت أن أعامل بوصفي شيخًا مرابطيًا في منطقة (أفلو). ففي يوم أثناء جولتنا جاء رجل من أبناء البلاد (Indigène) ليقبل ركبتي. ربما كان ذلك بسبب هندامي الفريد الذي ميزني بسلطة ما في عينيه.
كان ذلك كله يتسرب إلى عميق نفسي فيتخذ له فيها شعورًا وفكرة.
لقد خفت أن يأتي المستعمر إلى هنا فيفسد تلك العجينة الإنسانية الطيبة التي احتوت بعض السذاجة وعظيمًا من الفضائل.