Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript
مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط
Yayıncı
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Yayın Yeri
https
Türler
اختلف الفقهاء في الإبراد بالصَّلاة، فمنهم من لم يردَّه، وتأوَّل الحديث على إيقاعها في برد الوقت وهو أوَّله، والجمهور من الصحابة والتَّابعين وغيرهم على القول به، ثمَّ اختلفوا فقيل: إنَّه عزيمة، وقيل: واجب تعويلًا على صيغة الأمر، وقيل: رخصة، ونصَّ عليه في «البويطي»، وصحَّحه الشيخ أبو علي من الشافعيَّة، وأغرب النَّوَوي فوصفه في «الروضة» بالشذوذ، لكنَّه لم يحكِه قولًا، وبنوا على ذلك: أنَّ من صلَّى في بيته أو مشى في كُنٍّ إلى المسجد هل يسنُّ له الإبراد؟ إن قلنا: رخصة، لم يسنَّ له؛ إذ لا مشقَّة عليه في التعجيل، وإن قلنا: سنَّة، أبرد وهو الأقرب لورود الأثر به مع ما اقترن به من العلَّة من أنَّ شدَّة الحرِّ من فيح جهنَّم، وقال صاحب «الهداية» من أصحابنا: يستحبُّ الإبراد بالظُّهر في أيَّام الصَّيف، ويستحبُّ تقديمه في أيَّام الشِّتاء.
فإن قلت: يعارض حديث الإبراد حديث إمامة جبريل ﵇؛ لأنَّ إمامته في العصر في اليوم الأوَّل فيما إذا صار ظلُّ كلِّ شيء مثله، فدلَّ ذلك على خروج وقت الظُّهر، وحديث الإبراد دلَّ على عدم خروج وقت الظُّهر؛ لأنَّ اشتداد الحرِّ في ديارهم في ذلك الوقت، قال العَيني: الآثار إذا تعارضت لا ينقضي الوقت الثابت بيقين بالشكِّ، وما لم يكن ثابتًا بيقين هو وقت العصر لا يثبت بالشكِّ.
فإن قلت: هل في الإبراد تحديد؟ قلت: روى أبو داود والنَّسائي والحاكم من حديث ابن مسعود ﵁ قال: «كان قدر صلاة رسول الله ﷺ الظُّهر في الصَّيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي الشِّتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام»، فهذا يدلُّ على التحديد.
اعلم أنَّ هذا الأمر مختلف في الأقاليم والبلدان، ولا يستوي في جميع المدن والأمصار، وذلك لأنَّ العلَّة في طول اللَّيل وقصره هو زيادة ارتفاع الشَّمس في السَّماء وانحطاطها، فكلَّما كانت أعلى وإلى محاذاة الرؤوس في مجراها أقرب كان الظلُّ أقصر، وكلَّما كانت أخفض ومن محاذاة الرؤوس أبعد كان الظلُّ أطول، وكذلك ظلال الشِّتاء تراها أبدًا أطول من ظلال الصَّيف في كلِّ مكان، وكانت صلاة رسول الله ﷺ بمكَّة والمدينة - وهما من الإقليم الثَّاني - ثلاثةَ أقدام، ويذكرون أنَّ الظلَّ فيهما في أوَّل الصَّيف في شهر آذار ثلاثة أقدام وشيء، ويشبه أن تكون صلاته إذا اشتدَّ الحرُّ متأخِّرة من الوقت المعهود قبله، فيكون الظلُّ عند ذلك خمسة أقدام، وأما الظلُّ في الشِّتاء فإنَّهم يذكرون إنَّه في تشرين الأوَّل خمسة أقدام أو خمسة وشيء، وفي الكانون سبعة أقدام أو سبعة وشيء، فقول ابن مسعود منزَّل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون سائر الأقاليم والبلدان الَّتي هي خارجة عن الإقليم الثَّاني. انتهى.
قلت: الأقاليم سبعة: فالأوَّل من جهة خطِّ الاستواء، والإقليم الثَّاني ثلاثة، ففي الأوَّل بحر الصِّين وبحر الهند والنوبة والحبشة، وفي الثَّاني الصِّين والهند والسند ومكران وكرمان وخليج فارس وجزيرة العرب وغير ذلك، وكلُّ إقليم يمتدُّ ما بين الخافقين طولًا، أي يكون كلُّ إقليم من الأقاليم السبعة على شكل طولي فيكون عرضه قدرًا قليلًا، وهو ما يوجب تفاضل نصف ساعة في مقادير النَّهار الأطول. انتهى.
وفي «التَّوضيح»: اختلف
في مقدار وقت الإبراد، فقيل: أن يؤخِّر الصَّلاة عن أوَّل الوقت مقدارًا يظهر للحيطان ظلٌّ، وظاهر النصِّ: أنَّ المعتبر أن ينصرف من الصَّلاة قبل آخر الوقت، ويؤيِّده حديث أبي ذرٍّ: «حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُوْلِ»، وقال مالك: إنَّه يؤخِّر الظُّهر إلى أن يصير الفيء ذراعًا، وسواء في ذلك الصَّيف والشِّتاء، وقال أَشْهَب في «مدونته»: لا يؤخِّر الظُّهر إلى آخر وقتها، وقال ابن بَزيزَةَ: ذكر أهل النَّقل عن مالك: إنَّه كره أن يصلِّي الظُّهر في أوَّل الوقت، وكان يقول: هي صلاة الخوارج وأهل الأهواء، وأجاز ابن عبد الحكم التأخير إلى آخر الوقت، وحكى أبو الفَرَج عن مالك: أوَّل الوقت أفضل في كلِّ صلاة إلَّا الظُّهر في شدَّة الحرِّ. وعن أبي حنيفة والكوفيين وأحمد وإِسْحَاق: يؤخِّرها حتَّى يبرد الحرِّ.
وقد استدلَّ بعض الثَّاني (^١) بقوله: «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» على أنَّ الإبراد يشرع في الجمعة أيضًا؛ لأنَّ لفظ الصَّلاة يطلق على الظُّهر والجمعة، والتعليل مستمرٌّ فيهما، وفي «التَّوضيح»: اختلف في الإبراد بالجمعة على وجهين لأصحابنا، أصحُّهما عند جمهورهم: لا يُشرع، وهو مشهور مذهب مالك أيضًا، فإنَّ التبكير سنَّة فيها. انتهى.
قال العَيني: مذهب الحنفيَّة أيضًا التبكير يوم الجمعة؛ لما ثبت في الصحيح: أنَّهم كانوا يرجعون من صلاة الجمعة وليس للحيطان ظلٌّ يستظلُّون به من شدَّة التبكير لها أوَّل الوقت، فدلَّ على عدم الإبراد، والمراد بالصلاة في الحديث الظُّهر كما ذكرناه، فعلى هذا لا يبرد بالعصر إذا اشتدَّ الحرُّ فيه. وقال ابن بَزيزةَ: إذا اشتدَّ الحرُّ في العصر هل يبرد بها أم لا؟ المشهور نفي الإبراد بها، وتفرَّد أشهب بإبراده وقال أيضًا: وهل يبرد الفَذُّ أم لا؟ والظاهر: أنَّ الإبراد مخصوص بالجماعة. وهل يبرد في زمن الشِّتاء أم لا؟ فيه قولان، والظَّاهر نفيه، وهل يبرد بالجمعة أم لا؟ المشهور نفيه. انتهى.
وقال شيخنا: وقد حمل بعضهم الصَّلاة على عمومه بناءً على أنَّ المفرد المعرَّف يَعُمُّ، فقال به أشهب في العصر، وقال به أحمد في رواية عنه في العشاء حيث قال: يؤخِّر في الصَّيف دون العشاء، ولم يقل به أحد في المغرب ولا في الصُّبح لضيق وقتهما. انتهى.
وفيه دليل على وجود جهنَّم الآن، قلت: وفيه دليل على أنَّ جهنَّم في هذا العالم. انتهى.
٥٣٥ - قوله: (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ) أي الملقَّب بُنْدَار.
قوله: (حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ) أي محمَّد بن جعفر ابن امرأة شعبة، لقبه غُنْدَر.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحجَّاج.
قوله: (عَنِ المهَاجِرِ أبي الحَسَنِ) أي بلفظ اسم الفاعل من باب المفاعلة، ويُكنى بأبي الحسن.
قوله: (سَمِعَ زَيدَ بنَ وَهْبٍ) أي أبو سُلَيمان الهَمْداني الجُهَني، قال: رحلت إلى رسول الله ﷺ فقُبض وأنا في الطَّريق، مات زمن الحجَّاج.
قوله: (عَن أَبِي ذَرٍّ) أي الغفاري الصحابي المشهور، واسمه جُنْدُب بن جُنَادة على المشهور.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه السَّماع، وفيه أنَّ رواته ما بين بصري وكوفي، وفيه ذكر أحد الرُّواة بلقبه والآخر بكنيته وهو المهاجر فإنَّ كنيته أبو الحسن ذُكرت للتمييز، فإنَّ في الرُّواة المهاجرُ بنُ مِسْمار المدني من أفراد مسلم، والألف واللَّام فيه للمح الصفة كما في العبَّاس؛ فإنه في الأصل صفة ولكنَّه صار علمًا وسيأتي في الباب الذي بعده
(^١) كذا في الأصل، وفي عمدة القاري: وعن أبي حنيفة والكوفيين وأحمد واسحاق يؤخرها حتَّى يبرد الحر، الوجه الثَّاني أن بعض النَّاس استدلوا بقوله.
1 / 50