Dünyadaki Tek Erkeğin Ölümü
موت الرجل الوحيد على الأرض
Türler
أصبحت عيناه أكثر جرأة في فحصها، ورأى يديها كبيرتين خشنتين ومعصميها خاليين من الأساور، فأدرك أنها ابنة فلاح فقير تفحت الأرض وتعزقها، لكنها نظرت إليه فرأى في عينيها المرفوعتين شيئا لم يره في عيون بنات الفلاحين الفقراء. ليس هو الغضب، وليس هو الكبرياء، وإنما شيء أشد منهما لم يره من قبل. تذكر فجأة أنه وهو طفل تسلق سور بيت العمدة لينظر في عيني ابنته الواقفة في الشرفة، لكن شيخ الخفر ضربه بعصا فهرب جريا. طوال سنوات طفولته وهو يحلم بأن ينظر مرة واحدة في عيني ابنة العمدة. لم يكن يعرف لماذا، وظل طوال حياته لا يعرف لماذا، ولم يهمس لأحد أبدا برغبته الغريبة شبه المجنونة.
حول رأسه ناحيتها لينظر في عينيها، فنظرت إليه والتقت عيونهما، ولاحظ أنها لم تحول عينيها بعيدا أو تخفضهما، كما تفعل بنات الرملة أو كفر الطين، وظلت عيناها مرفوعتين شبه متحديتين كعيني رجل غاضب. حرك عينيه بعيدا عنها وهو يقول لنفسه: «لا يبدو عليها أنها هاربة أو خائفة.»
رمق قدميها الحافيتين المشققتين يعلوها التراب والطين ثم قال: مشيت طويلا؟
قالت وهي شاخصة إلى الطريق: نعم.
قال: الليل كله؟
قالت: نعم.
سكت فترة. تصور فتاة صغيرة مثلها سائرة وحدها في الليل بين الحقول والطرق الزراعية حيث يرقد الذئاب والثعالب وقطاع الطرق. ظل صامتا ناظرا أمامه ثم قال: الليل خطر.
قالها بلهجة غريبة كأنما يريد أن يخيفها، كأنما يريد أن يرى هذين الجفنين المرفوعين يرتعشان ولو لحظة، لكن جفنيها لم يتحركا، وظلت عيناها مرفوعتين إلى أعلى، وقالت وهي لا تزال شاخصة إلى الطريق: الليل أكثر أمانا من النهار يا عم.
ظل صامتا ناظرا إلى الأمام، ملامحه جامدة كملامح طفل ضرب بالعصا منذ لحظة ورفض أن يبكي. شعر بشيء يضغط على صدره كدموع مكبوتة منذ زمن، منذ ضربه شيخ الخفر. لو أنها حركت رأسها ناحيته الآن وابتسمت له، لألقى رأسه على صدرها وبكى. لو رأى هذين الجفنين المرفوعين ينخفضان أمام عينيه لو لحظة؛ ربما خف هذا الضغط على صدره، لكنها لا تبتسم له، وهي لا تنظر إليه، بل إنها حين تنظر إليه يدرك أنها تفكر في شيء آخر أكبر منه. أخرج من جيب جلبابه لفافة دخان أو قطعة معسل أو أفيون أو حشيش، ابتلع لعابه المر في جوفه وسعل بشدة ليطرد من صدره الإحساس بالمهانة. أطرق برأسه لحظة وهو يدرك أن هذا هو الإحساس الوحيد الذي لازمه طوال حياته.
زم شفتيه ولسع ظهر الحمار بالعصا الرفيعة، كما يلسع شيخ الخفر طفلا فقير الأب والأم. أصبح راغبا الآن في أن يصل إلى الرملة بأسرع ما يمكن، وأن تختفي هذه المرأة من فوق عربته بأسرع ما يمكن.
Bilinmeyen sayfa