ماذا تقولين؟ المرأة تعرف هذه الحقيقة منذ البداية، نعم يا عزيزتي، المرأة أذكى من الرجل؛ إنها تعلم دائما أنها ليست المرأة الوحيدة على الأرض. املئي لي كأسا أخرى مع كثير من الثلج، ودعيني أموت بين ذراعيك ولا تقاطعيني.
رسالة خاصة إلى صديق فنان
ما دمت قد فتحت قلبك وعاتبتني ذلك العتاب القاسي إلى حد الرقة، والذي أبكتني رقته أكثر مما أبكتني قسوته؛ ما دمت قد فعلت ذلك، فقد أصبح من حقي أن أعاتبك عتاب فنانة لفنان، وصديقة لصديق حميم. لم يكن الشعور الحميم بينهما إلا إحساسا عميقا مستقرا في أغوار النفس، رقيقا وشفافا شفافية الهواء النقي، بقدر ما نحسه في العمق كبيرا يكاد يملأنا بقدر ما نعجز عن الإمساك به في لحظة حقيقية واحدة. ويبدو أن هذه هي الصفة الوحيدة للشعور الحميم الحقيقي، إنه بقدر ما يكون حقيقيا يبدو لنا كالحلم.
ما دمت قد فعلت بي كل ذلك فاسمح لي أن أعاتبك، وأنا لم أعاتب أحدا من قبل، حتى أبي وأمي لم أعاتبهما؛ لأنهما أتيا بي بغير إرادتي، حتى الله لا أعاتبه لأنه يأخذني بغير إرادتي، لا أعاتب أحدا؛ لا رجلا ولا امرأة ولا إلها، ولا أعاتب في الحب ولا في الكراهية، وكم من أذى أصابني من الحب أكثر مما أصابني من الكراهية.
ولكنك أصبحت أحد هؤلاء القلائل النادرين في حياتي، الذين حين أمسك القلم فأنا لا أكتب ليقرأ الناس، ولكني أكتب لشخص واحد بالذات؛ ليقرأ هو وحده دون جميع الناس، وبغير أن يكون هناك ناس على الإطلاق.
شيء عميق وخاص شديد الخصوصية أعجز أحيانا عن أن أكتبه لنفسي لو حاولت؛ كالجرح العميق الغائر في الجسد، كالبئر السحيقة وأنا فيها ساقطة حتى القاع، حتى النخاع، أحس الألم في عظام رأسي. أهو قدري أن أكون شيئا آخر غير ما أراده لي القدر، أن لا أكون أنثى (بمفهوم العالم للأنثى)، وأن لا أكون طبيبة (حسب تخرجي في كلية الطب)؟ أهو قدري أن أكون إنسانة قبل أن أكون أنثى، وأن أكون فنانة قبل أن أكون طبيبة؟
منذ ولدت وصراعي أحسه كأنه صراع مع القدر ذاته، لكني أدرك بإحساس آخر أن القدر معي، وأن القدر هو الذي أرادني فنانة وأرادني إنسانة، فما هي القوة الأخرى إذن التي أرادتني أنثى وطبيبة؟ أهناك قدر آخر غير القدر الذي نعرفه؟
وعشت سنوات حياتي كالمشدود بين قدرين؛ كقطعة اللحم ممسوكة بين فكين ضاريين. أحاول الإفلات والهرب، وأظن أحيانا أنني هربت وأنني أنقذت، وأتنفس بعمق وأنا أمسك القلم لأسكب نفسي فوق الورق صدقا بديهيا بداهة الموت، بسيطا كابتسامة تلقائية في وجه طفل. وأظن بسذاجة طفل أنني لم أفعل شيئا ذا بال، حتى الكلمات فوق الورق تبدو لي قليلة أقل من نفسي وأضعف، لكن العالم من حولي ينتفض ذعرا، كأنما الصدق لم يعد كلمة وإنما وحش مفترس، والحقيقة أصبحت كالموت أو أكثر من الموت.
وهل هناك ما هو أكثر من الموت في حياتنا؟ أم أن حياتنا نفسها قد تصبح أحيانا أكثر من الموت؟ كنت أسأل نفسي هذا السؤال فلم أعرف له إجابة في حياتي أو في موتي، ولم أكن أعرف في معظم الأحيان الفارق بين أن أحيا أو أموت، وحياتي تبدو لي أحيانا كالموت، والموت يصبح في عيني فجأة كالأمل الوحيد في أن أحيا.
ألم عميق يصل إلى أعمق مما يمكن أن يصل إليه أي سكين. وأتلفت حولي كأنما أبحث عن آخرين مثلي يحملون السكين في أجسادهم، كأنما أبحث عن شخص واحد غيري يقول لي: نعم، أنت على حق والعالم مخطئ، أنت تقولين الصدق والعالم يكذب.
Bilinmeyen sayfa