الخوف والرجاء
تأملات
قال ابن الجوزي: سبحان من أقام من كل موجود دليلا على عزته، ونصب علم الهدى على باب حجته، الأكوان كلها تنطق بالدليل على وحدانيته، وكل موافق ومخالف يمشي تحت مشيئته، إن رفعت بصر الفكر تر دائرة الفلك في قبضته، وتبصر شمس النهار وبدر الدجى يجريان في بحر قدرته، والكواكب قد اصطفت كالمواكب على مناكب تسخير سطوته، هذا بعض صنعته: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته} [الرعد: 13].
أما أبصرت قبور القوم؟
يا من صحيفته بالذنوب قد خفت، وموازينه لكثرة العيوب قد حقت، يا مستوطنا والمزعجات قد لفت، لا تغتر بأغصان المنى وإن أورقت ورفت، أما رأيت أكفا عن مطالبها قد كفت؟ أما رأيت عرايس الأجساد إلى الألحاد زفت؟ أما عاينت سطور الأجسام في الكتب قد أدرجت، أما أبصرت قبور القوم؟ في رقاع بقاع القاع قد صفت، من عرف تصرف الأيام لم يغفل الاستعداد، إن قبر المنية ليضحك من بعد الأمنية.
شمر عن ساق الجد
إخواني، السنون مراحل، والشهور فراسخ، والأيام أميال، والأنفاس خطوات، والطاعات رؤوس أموال، والمعاصي قطاع الطريق، والربح الجنة، والخسران النار، لهذا الخطب شمر المتقون عن سوق الجد في سوق المعاملة، كلما رأوا مراكب الحياة تخطف في بحر العمر شغلهم هول ما هم فيه عن التنزه في عجائب البحر، فما كان إلا قليل حتى قدموا من السفر، فاعتنقتهم الراحة في طريق التلقي، فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح الدهر.
Sayfa 73