ثم قالت: أنا أتولى الحكم بينكما، أنتما في البلية شريكا عنان، كما أنكما في اللذة والمسرة فرسا رهان، فالعين تلتذ والقلب يتمنى ويشتهي .. وإن لم تدرككما عناية مقلب القلوب والأبصار، وإلا فما لك من قرة ولا للقلب من قرار، قال الشاعر:
فوالله ما أدري أنفسي ألومها ... على الحب أم عيني المشومة أم قلبي
فإن لمت قلبي قال لي العين أبصرت ... وإن لمت عيني قالت الذنب للقلب
فعيني وقلبي قد تقاسمهما دمي ... فيا رب كن لي عونا على العين والقلب
قالت: مثلكما مثل مقعد بصير وأعمى يمشي دخلا بستانا، فقال المقعد للأعمى: أنا أرى ما فيه من الثمار، ولكن لا أستطيع القيام، وقال الأعمى: أنا أستطيع القيام ولكن لا أبصر شيئا، فقال له المقعد: تعال فاحملني فأنت تمشي وأنا أتناول، فعلى من تكون العقوبة؟ فيقول: عليهما. قالت: فكذلك أنتما.
استقامة صادقة
حكى عن عبد الواحد بن زيد، قال: كنت في مركب، فطرحتنا الريح إلى جزيرة، وإذا فيها رجل يعبد صنما، فقلنا له: يا رجل، من تعبد؟ فأومأ إلى الصنم، فقلنا: إن معنا في المركب من يسوي مثل هذا، وليس هذا إلها يعبد، قال: فأنتم من تعبدون؟ قلنا: الله. قال: وما الله؟ قلنا: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي الأحياء والأموات قضاؤه. فقال: كيف علمتم به؟ قلنا: وجه إلينا هذا الملك نبيا كريما فأخبر بذلك، قال: فما فعل الرسول؟ قلنا: أدى الرسالة ثم قبضه الله، قال: فما ترك عندكم علامة؟ قلنا: بلى، ترك عندنا كتاب الملك، فقال: أروني كتاب الملك، فينبغي أن تكون كتب الملوك حسانا، فأتيناه بالمصحف، فقال: ما أعرف هذا، فقرأنا عليه سورة من القرآن، فلم نزل نقرأ ويبكي حتى ختمنا السورة.
Sayfa 68