1 - شأن عكاظ في الجاهلية
2 - موضع عكاظ
مقال الشيخ محمد بن بليهد
مقال الشيخ حمد الجاسر
الخاتمة
1 - شأن عكاظ في الجاهلية
2 - موضع عكاظ
مقال الشيخ محمد بن بليهد
مقال الشيخ حمد الجاسر
الخاتمة
Bilinmeyen sayfa
موقع عكاظ
موقع عكاظ
تأليف
عبد الوهاب عزام
مقدمة
بقلم دكتور عبد الوهاب عزام
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مقالات فيها القول الفصل في مكان سوق عكاظ، جمعت ما جاء في أمهات الكتب عن موقع عكاظ وشأنه حين عزمت على الذهاب إلى الموضع الذي غلب على الظن أنه عكاظ، ثم كتبت المقال بعد أن شهدت المكان وأيقنت بالأدلة الكثيرة أنه هو.
وكان الشيخ محمد بن بليهد النجدي معي في هذه السفرة، وله الفضل في تعريفي بالمكان وإعانتي على تطبيق الروايات عليه، ولما عدنا إلى الطائف عرض علي مقالا له في الموضوع، فوعدته أن أنشره حين أنشر مقالي.
ولما شهدت افتتاح المؤتمر الثقافي العربي في الإسكندرية في شهر آب (أغسطس) من هذه السنة، حدثت الأستاذ أحمد الزيات حديث عكاظ، فأشار علي أن أحاضر المؤتمرين فيه، فكانت أول محاضرة من محاضرات المؤتمر العامة محاضرتي عن سوق عكاظ.
Bilinmeyen sayfa
وقد لقيت قبل المحاضرة الأديب المحقق الشيخ حمد الجاسر النجدي، فقال إن له بحثا عن عكاظ. قلت: سمعت أن لك بحثا ولكن لم أطلع عليه. فقال: نشرت خلاصته في جريدة أم القرى، وأرسلته كله إلى إحدى المجلات المصرية فلم تنشره. فوعدته بنشر مقاله أيضا حين أنشر بحثي في عكاظ.
وقد وفيت بوعدي، فنشرت مقال الشيخ ابن بليهد، ونشرت مقال الشيخ الجاسر، على طوله واشتماله على أمور ليست من بحثنا في الصميم، إذ رأيت كل ما جاء في المقال مفيدا مجديا على الباحثين، جامعا لهم ما تشتت في كثير من الكتب.
وقد أخذت على الخريطة التي ألحقها بالمقال أنه وضع حرة الخلص جنوبي عكاظ، وهي في رأينا وفيما قال عرام السلمي شرقي عكاظ.
والمقصد في هذه المقالات تبيين موضع عكاظ، والفصل فيما اختلف فيه القائلون في هذا الشأن، وسيرى القارئ أنها مقالات فاصلة لا تدع مجالا لجدال ولا ريب.
وقد رأيت أن أقدم كلمة موجزة عن شأن عكاظ عند العرب، وأثرها في تجارتهم وأخلاقهم وأدبهم، فأخذت من المراجع الحاضرة لدي في جدة، مثل: الأغاني، والمسالك والممالك، وصفة جزيرة العرب، ومعجم البلدان.
ولما رجعت إلى مصر بدا لي أن أتوسع في الحديث عن عكاظ لأوفي البحث حقه من التاريخ، كما استوفى حقه من التحقيق الجغرافي، فطلبت مراجع أخرى حتى عثرت على كتاب الأديب الفاضل سعيد الأفغاني في مكتبة جامعة فؤاد الأول، وكنت طلبته زمنا فلم أعثر عليه، فرأيت فيه وفاء بأخبار عكاظ، كما رأيته اتبع أقوالا في تعيين مكان عكاظ ليست صوابا، فعزمت على أن أقتصر على الكلمة الموجزة التي كتبت في شأن عكاظ، وأن أحيل القارئ المستزيد إلى كتاب الأستاذ الأفغاني في أخبار سوق عكاظ لا في تعيين مكانها، وإنما قصدنا من هذه الأبحاث تعيين المكان.
والله أسأل أن يهدينا الحق ويرزقنا الإخلاص فيه، وهو حسبي وكفى.
الفصل الأول
شأن عكاظ في الجاهلية
(1) حرمة عكاظ
Bilinmeyen sayfa
كانت سوق عكاظ تجتمع في الأشهر الحرم، فيفد الناس إليها آمنين، ثم يذهبون منها إلى سوق مجنة، فسوق ذي المجاز، فموسم الحج الأكبر. وعكاظ في طريق أهل اليمن ونجد إلى مكة ... وقد غلط من ظن أن سوق عكاظ كانت تقام في شهر شوال، فليس هذا الشهر من الأشهر الحرم.
جاء في الأغاني أن معاوية بن عمرو أخا الخنساء وافى عكاظ في موسم من مواسم العرب ... فلما خرج الشهر الحرام وتراجع الناس عن عكاظ، خرج معاوية بن عمرو غازيا ... إلخ.
1
وفي الأغاني أيضا أن عبد الله بن العجلان النهدي الشاعر الجاهلي أراد المضي إلى بلاد بني نمير ليرى حبيبته هند، فمنعه أبوه وخوفه الثارات، وقال له: تجتمع معهم في الشهر الحرام بعكاظ أو بمكة ... إلخ.
2
وفي أخبار السليك بن السلكة أنه خرج في الشهر الحرام فأتى عكاظ. وسيذكر هذا من بعد.
وفي سيرة ابن هشام في فصل حرب الفجار:
فأتى آت قريشا، فقال: إن البراض قد قتل عروة وهم بالشهر الحرام بعكاظ.
فهذه الروايات شاهدة بأن عكاظ كانت تقام في الأشهر الحرم، لا في شوال كما يذكر في بعض الروايات.
ثم دليل آخر: أن الحروب التي وقعت في عكاظ عدت في حروب الفجار لأنها محرمة. وليست عكاظ من أرض الحرم، فإنما كانت حرمتها لوقوعها في الأشهر الحرم. (2) التجارة
Bilinmeyen sayfa
وكانت تجارة العرب تحمل من الأرجاء إلى عكاظ، فمن أراد الميرة ذهب إليها، ومن فقد شيئا التمسه في عكاظ لعله يجده في سلعها.
ومن هذا أن شاس بن زهير العبسي قدم على بعض الملوك فحباه حباء عظيما فرجع به، فبينا هو في الطريق قتله رباح بن الأسك الغنوي وأخذ متاعه، فبقي قومه زمنا لا يهتدون إلى أثره حتى رأوا في عكاظ امرأة رباح تبيع أمتعة مما أخذ زوجها من شاس حين قتله.
3
وأن الحارث بن ظالم لما قتل أخذ سيفه إلى سوق عكاظ ليباع.
4
وفي أخبار ابن الزبعري أن ركبا من عبد القيس مر بأبي سفيان بن حرب يريدون المدينة للميرة، فقال أبو سفيان: هل أنتم مبلغون محمدا رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمل لكم إبلكم هذه غدا زبيبا في عكاظ إذا وافيتموها؟
5 (3) الأدب
وكان لعكاظ شأن في الأدب تتفاخر فيه القبائل، فينشد شعراؤها ويخط خطباؤها، ويعرض فيه الشعراء أشعارهم في غير المفاخرة والمنافرة ليذهب الشعر في الناس.
روى صاحب الأغاني وغيره أن النابغة كانت تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء، فينشدونه ويحتكمون إليه.
ومما روى في هذا أن حسان بن ثابت دخل على النابغة في عكاظ وعنده الأعشى والخنساء، وقد أنشده الأعشى، ثم أنشدته الخنساء، فقال: والله لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك لقلت إنك أشعر الناس، أنت أشعر من كل امرأة. قال: ومن كل رجل. قال حسان: أنا أشعر منك ومنها. قال النابغة: حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول:
Bilinmeyen sayfa
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابن محرق
فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فنقد النابغة شعره في قصة معروفة في كتب الأدب.
وروى صاحب الأغاني أيضا أن عمرو بن كلثوم لما أنشأ معلقته، قام بها خطيبا في عكاظ، وقام بها في موسم مكة.
6
وقصة الأعشى والمحلق معروفة، وسأذكر خلاصتها من بعد هذا الفصل. (4) عكاظ مجمع عام
ولصيت عكاظ وكثرة المجتمعين فيها وأمن الناس بها في الأشهر الحرم كان العرب يقصدون إليها لأمر يريدون إذاعته، من مأثرة في الخير، أو دعوة إلى صلح، أو تعاون على أمر جامع، أو استعانة على عمل جليل.
كما كانوا يقصدون إليها لمفاخرة أو منافرة أو لطلب ثأر، يعرفون طلبتهم في عكاظ ولا يتعرضون له حتى يمضي الموسم وتنتهي الأشهر الحرم، فيرصدون له ليثأروا منه. وغير هذه مما يقصد في المجامع العامة الحافلة التي يفد إليها الناس من المواطن القريبة والبعيدة.
Bilinmeyen sayfa
ومن أمثلة هذا أن قيس بن عاصم المنقري أغار على بني ذبيان، فأصاب أسارى فيهم رجل من هوازن جاور بني ذبيان هو وأخ له، فافتدى بنو ذبيان أساراهم، وبقي الهوازاني في الأسر، فذهب أخوه يتوسل بأعيان القبائل، فلم يجبه أحد ... فذهب إلى الموسم من عكاظ، فأتى منازل مذحج ليلا فأنشد أبياتا، وانتهى سعيه إلى يزيد بن عبد المدان ففدى أخاه.
7
وكذلك روى صاحب الأغاني أن يزيد بن عبد المدان وعامر بن الطفيل اجتمعا في عكاظ، وقدم أمية بن الأسكر الكناني ومعه بنت له جميلة، فخطبها يزيد وعامر وتفاخرا، فزوج أمية يزيد بن عبد المدان ابنته.
8
وكان قيس بن الحدادية الخزاعي شاعرا فاتكا شجاعا صعلوكا خليعا، فأرادت خزاعة أن تخلعه لتبرأ من جناياته، فخلعته في سوق عكاظ وأشهدت على أنفسها بخلعها إياه، فلا تحتمل جريرة له، ولا تطالب بجريرة يجرها عليه أحد.
9
وأصاب الناس قحط، فاجتمع ناس من زعماء العرب في عكاظ، فتواعدوا وتوافقوا ألا يتغاوروا حتى يخصب الناس.
10
وفي أخبار السليك بن السلكة أحد الصعاليك العدائين أنه خرج في الشهر الحرام فأتى عكاظ، فلما اجتمع الناس أخذ يطوف بين الناس متنكرا، ويقول: من يصف لي منازل قومه وأصف له منازل قومي ... إلخ.
ومن التفاخر في عكاظ حتى بالمصائب ما رواه صاحب الأغاني في أخبار غزوة بدر قال:
Bilinmeyen sayfa
لما كانت وقعة بدر، قتل فيها عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، فأقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم الخنساء هودجها في الموسم ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشريد وأخويها صخر ومعاوية، وأنها جعلت تشهد الموسم وتبكيهم، وقد سومت هودجها براية، وأنها تقول: أنا أعظم العرب مصيبة. وأن العرب قد عرفت لها بعض ذلك، فلما أصيبت هند بما أصيبت به وبلغها ذلك، قالت: أنا أعظم من الخنساء مصيبة. وأمرت بهودجها فسوم براية وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت سوقا يجتمع فيها العرب، فقالت: اقرنوا جملي بجمل الخنساء ... إلخ.
وقصة الأعشى الشاعر مع المحلق الكلابي معروفة، خلاصتها أن المحلق كان مئناثا مملقا، فأشارت عليه امرأته أن يسبق الناس إلى الأعشى فيضيفه وهو ذاهب إلى عكاظ، وينحر له ناقة ويسقيه، ففعل، وأحاطت بنات المحلق بالأعشى يخدمنه، فسأل: ما هذه الجواري؟ فعلم أنهن بنات المحلق وأنهن لم يتزوجن.
ووافى المحلق عكاظ، فإذا هو بسرجة قد اجتمع الناس إليها، وإذا الأعشى ينشد قصيدته التي يقول فيها:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة
إلى ضوء نار باليفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها
وبات على النار الندى والمحلق
رضيعي لبان ثدي أم تقاسمها
بأسحم داج عوض لا نتفرق
ثم نادى الأعشى: يا معشر العرب، هل فيكم مذكار يزوج ابنه إلى الشريف الكريم؟ فسارع الناس إلى تزوج بنات المحلق.
Bilinmeyen sayfa
وللقصة روايات أخر.
ولما هجا دريد بن الصمة عبد الله بن جدعان التيمي القرشي، لقيه في سوق عكاظ فكلمه في هذا.
فكانت عكاظ المجتمع الذي التمس فيه عبد الله هاجيه ليسأله لماذا هجاه.
11
وكان زهير بن جذيمة العبسي له إتاوة في هوازن، فكانت تأتيه بها في عكاظ. روى صاحب الأغاني: «وكان إذا كان أيام عكاظ أتاها زهير ويأتيها الناس من كل وجه، فتأتيه هوازن بالإتاوة التي كانت له في أعناقهم، فيأتونه بالسمن والأقط والغنم».
12
وفي الأغاني أيضا: «وكان عبد الله بن جعدة سيدا مطاعا، وكانت له إتاوة بعكاظ يؤتى بها، ويأتيه بها هذا الحي من الأزد وغيرهم».
13
وروي أن قس بن ساعدة الإيادي كان يأتي عكاظ فيخطب داعيا إلى الدين الحق مبشرا بالنبي، وروي أن رسول الله صلوات الله عليه سمع خطبة من خطبه في عكاظ.
وروي كذلك أن الرسول كان يقصد إلى عكاظ يدعو القبائل إلى الإسلام، ويعرض عليهم أن يحموه حتى يؤدي رسالته. •••
Bilinmeyen sayfa
وهكذا يجد الباحث كثيرا من أخبار عكاظ الدالة على عظم شأنها عند العرب، وقصدهم إليها من كل فج للتجارة، والمفاخرة، وإنشاد الشعر، ونشدان الضالة، والدعوة إلى معروف أو صلح ... إلخ.
هوامش
الفصل الثاني
موضع عكاظ
لسوق عكاظ ذكر رائع في تاريخ العرب قبل الإسلام، وله آثار في لغتهم وأدبهم، وفي تجارتهم، وأحوالهم الاجتماعية من حرب وسلم وتفاخر وتكاثر. •••
وقد كثر الكلام في مكان هذه السوق، فقال قائلون: هو المكان الذي يسمى اليوم السيل الكبير، وهو ميقات الحاج القادمين من نجد والطائف، على الطريق بين مكة والطائف. وقال آخرون: هو حيث السيل الصغير، وهو موضع في الطريق بين السيل الكبير والطائف على عشرين كيلا من الأول واثنين وثلاثين من الثاني. وقيل كان في موضع يسمى اليوم القانس بين مكة والسيل الكبير، وقيلت أقوال أخرى. •••
وقد أخبرني منذ أشهر الصديق الأديب الشيخ أحمد الغزاوي شاعر جلالة الملك عبد العزيز أن سمو الأمير فيصل آل سعود أخبره أنه ذهب إلى موضع عكاظ، وليس هو بالسيل الكبير ولا السيل الصغير، وأنه اجتمعت أدلة كثيرة على أن في هذا الموضع لا غيره كانت سوق عكاظ.
وكان ذهاب سمو الأمير إليه في رجوعه من الصيد إلى الطائف، وكان معه الشيخ محمد بن بليهد، وهو عالم نجدي واسع المعرفة بأخبار العرب ماضيها وحاضرها، راوية لأشعارهم القديمة والحديثة، عارف بكثير من الأمكنة التي ذكرت في الأشعار والأخبار، ذهب إليها ورآها رأي العين.
وقد اجتمع لهذا الشيخ البحاثة نقول وأدلة لا تدع شكا في أن هذا الموضع كان هو مجتمع العرب في السوق التي ذاع ذكرها وطار صيتها، سوق عكاظ.
قلت للشاعر الغزاوي: لا بد لي أن أرى هذا المكان، وأجمع له ما أثر في كتب الأدب والتاريخ من أوصاف عكاظ، فأرى كيف تتفق عليه أو تختلف. •••
Bilinmeyen sayfa
ثم لقيت الأمير حفظه الله في جدة، فتحدثنا عن عكاظ، فوعد أن نذهب إليه معا ونكمل النظر والبحث هناك.
وحالت أشغال وأسفار حتى ذهبت إلى الطائف يوم الجمعة سادس شوال سنة 1369ه، فلقيت الأمير هناك وأعدنا الحديث عن عكاظ، وكنت على أهبة السفر إلى الرياض لتوديع جلالة الملك عبد العزيز قبل سفري إلى مصر، فاتفقنا على أن أعود من الرياض إلى الطائف فأصحب سمو الأمير والشيخ ابن بليهد إلى عكاظ. وكان الأمير حفظه الله يريد أن نضرب خيامنا في عكاظ يومين أو ثلاثة نجول في أرجائه، ونوفي البحث والنظر حقهما هناك.
وعدت إلى الطائف صباح الأربعاء - وكان الأمير في جدة مع الأمير سعود - فجاء إلى المطار الشيخ ابن بليهد في جماعة من أتباع الأمير، فبشروني بأنهم أعدوا العدة للذهاب إلى عكاظ، وأنا ذاهبون إليه فورا.
سرنا من مطار الحوية صوب الشرق نحو اثني عشر كيلا، فإذا أرض واسعة مطمئنة أدركنا فرق ما بينها وبين الأرض التي سرنا عليها من الحوية، يدل منظرها على أنها مجتمع مياه.
قال الرفاق: هذه عكاظ ... فتأهب الفكر للنظر والتأمل، واستنجد ما سمع عن عكاظ وما قرأ ليتبين أهذه عكاظ كما ذكرت في كتب الأدب والتقويم، وما أعظم سرور الباحث وزهوه حين يبلغ المكان التاريخي الذي اقترن بآداب الجاهلية وأخبارها!
معالم عكاظ
سرنا إلى الشرق نقصد حرة كبيرة عالية مشرفة على سهل واسع، سرنا إليها بالسيارة نمر بأحجار كبيرة بيضاء من المرمر، قال الشيخ: انظر هذه العبيلات.
فلما بلغنا الحرة قيل: انظر إلى هذا القصر المشيد. فنظرت إلى الشرق والشمال، فإذا بناء منيف على ربوة، قال الرفاق: نذهب إليه ثم نعود إلى الحرة. فذهبنا فإذا بناء على ربوة، فصعدنا فرأينا بناء متينا فيه بهو وحجرات وعقود محكمة، قال الشيخ ابن بليهد: هذا جاهلي. وقال بعض الرفاق: هو هلالي - وكل أثر قديم ضخم تنسبه البادية إلى بني هلال قوم أبي زيد الهلالي البطل المعروف في القصص - قلت: بناء حديث، أغلب الظن أنه من بناء عصورنا، لا يتقدم أيام العثمانيين ... فصدقني بعض الرفاق وقال: يقال إنه من بناء أشراف مكة.
ورجعنا إلى الحرة فصعدنا وأجلنا البصر فيما حولنا، وكانت الساعة خمسا من النهار، وقد اقترب الظهر، ولكن الهواء كان باردا لا نبالي معه مس الشمس.
قال الشيخ: إن عرام بن الأصبغ السلمي يقول في عكاظ: «وهو في أرض مستوية ليس بها جبال، وإذا كنت في عكاظ طلعت عليك الشمس على حرة سوداء، وبه عبيلات بيض تطيف بها العرب في جاهليتهم وينحرون عندها.»
Bilinmeyen sayfa
1
قلت: فلننظر تصديق هذا، هذه أرض مستوية، وهذه الحرة تطلع الشمس عليها، أعني أنها شرقي المكان. قال هو وبدوي كان معنا: وهذه الحرة تسمى الخلص. وقال: والعبيلات البيض قد رأيناها في طريقنا متفرقة وسنراها. ونظرنا شطر الجنوب، فإذا جبل بعيد ينتهي إليه النظر. قال الشيخ: هذا الجبل يسميه البدو حلاة جلدن، والحلاة عندهم الهضب.
ونظرنا نحو أكمة تقع إلى الغرب والشمال من هذا الجبل البعيد، فقال: هذه الأكمة البيضاء هي العبلا أو العبيلا.
ونظرنا إلى الشمال والغرب من مقامنا فوق الحرة، فإذا جبيل أدكن، قال: هذه العرفا، ووراءها وادي قران.
وطمح بصرنا إلى جبال بعيدة كدت لا أراها أشار إليها الرفاق قائلين: وهذه جبال عشيرة.
قلت: فأين وادي شرب الذي قال ياقوت إنه في عكاظ؛ فهو عندي من أوضح الأدلة، إذ كان لا يزال معروفا باسمه في البادية وإن غير إلى شرب؟
قالوا: هذا وادي شرب يأتي من الجنوب والغرب إلى هذه الحرة، وتلتقي به أودية منها وادي الأخيضر يلاقيه في عكاظ.
قلت: هذا دليل واضح على أننا نشرف على سهل عكاظ الآن. قال الشيخ ابن بليهد: وهذه العبلا أو العبيلا دليل آخر، فقد ذكر في أيام الفجار يوم العبيلاء، وقيل إن العبيلاء بجانب عكاظ، فهذه العبيلاء تراها على مد البصر بجانب عكاظ.
فهذه الحجارة البيض التي رأينا في طريقنا إلى هذه الحرة، جديرة أن تسمى عبلاوات، فتوافق ما قال الأصبغ بن عرام.
وقد جمع الوصف والاسم قول ياقوت:
Bilinmeyen sayfa
وقيل العبلاء اسم علم لصخرة بيضاء إلى جنب عكاظ.
فإن قلنا العبلاء الصخرة البيضاء، فهذه الأكمة الكبيرة البيضاء، وهذه الحجارة الصغار التي مررنا بها كل واحدة منها تسمى عبلاء، وإن قلنا العبلاء صخرة بعينها إلى جنب عكاظ، فهذه الصخرة أمامنا بقي اسمها حتى يومنا هذا كما تقول أنت، ويشهد رفاقنا.
قال الشيخ العلامة:
وأرجوزة أحمد الرداعي اليماني. قلت: نعم، هذه الأرجوزة في آخر كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني، وقد قرأتها فعرفت من نسق المواضع فيها أن عكاظ في طريق اليمن إلى مكة، قبل قرن المنازل أي قبل السيل الكبير الذي ظن بعض الناس أنه عكاظ.
قال الشيخ: وأمر آخر، قال صاحب الأرجوزة:
2
قلت لها في مطلخم طاخ
لدى مناخ أيما مناخ
لأوقح ذي المنهل الوضاخ
يا ناق هم الشهر بانسلاخ
Bilinmeyen sayfa
فأزمعي بالجد لا التراخي
فانتهضت بمشرف شماخ
كالجذع جذع النخلة الشمراخ
كأم أفراخ إلى أفراخ
عن ذي طوى ذي الحمض والسباخ
قاربة للورد من كلاخ
قال الهمداني:
أوقح: منهل على واد عذب الماء. وقيل لعليل من أهل صنعاء وهو في منزله: ما تشتهي؟ قال: شربة من ماء أوقح. وكلاخ: واد ماؤه ثقيل ملح. وكل هذه البلاد من تبالة إلى نخلة ديار هوازن فيها من كل بطونها. ذو طوى: وذو طوى بمكة أيضا.
قال الشيخ:
وكلاخ إلى الجنوب من هذا الجبل الذي يسمى جلدان، وهو موضع فيه أبنية ونخل، وكان صاحب الأرجوزة ذاهبا إلى الحج يعدد المواضع التي يمر بها، فذكر كلاخا هذا.
Bilinmeyen sayfa
قلت: وأضيف إلى هذا أن ياقوتا قال في المعجم: وكلاخ موضع قرب عكاظ، ثم قال الراجز:
يا هند لو أبصرت عن عيان
قلائصا يوضعن في جلدان
بالقوم من يقظان أو وسنان
وكل صلت ثابت الجنان
أروع مفضال على الإخوان
لا ثلب خب ولا منان
وكل نكس حضر ضنان
معمم بالذم ضب وان
جم الخنا نوامة حيران
Bilinmeyen sayfa
علمت من ذو الفضل في الركبان
قال الهمداني:
جلدان: موضع قاع واسع. خب: ثقيل، يقال هو خب ضب.
وجلدان هو الجبل الذي نرى إلى الجنوب، ذكره الراجز بعد كلاخ.
ثم قال الراجز ذاكرا ما بعد كلاخ وجلدان:
فقلت لما ثاب لي احتفاظي
والقلب فيه شبه الشواظ
سل الهوى عن قلبك المغتاظ
والعيس تطوي الأرض بالمظاظ
مشفقة من زاجر كظاظ
Bilinmeyen sayfa
مسهلة للخبت من عكاظ
طوت فجاج الأرض باندعاظ
بمجمرات صلب غلاظ
بفتية لا فحش فظاظ
لا بل رواة صدق حفاظ
قال الهمداني:
المظاظ: من المماظة وهي المغاشة والمشاقة. عكاظ: بمعكد هوازن وسوق العرب القديمة، وهي لبني هلال اليوم. والاندعاظ: الاندفاع. والمجمر: الخف المستدير الصليب الجوانب.
فقد مر بعكاظ بعد كلاخ وجلدان فذكرهما بعدهما، وهو سائر من الجنوب إلى الشمال، وترى جلدان وخلفه كلاخ وليس بعدهما إلا عكاظ، ثم ماذا بعد عكاظ؟
قال الراجز:
فانجردت بالرفق العصائب
Bilinmeyen sayfa
عيدية مفعمة المناكب
تاركة قران للمناقب
بحيث خط الميل كف الكاتب
وشربا في جنح ليل واقب
بكل محض حسن الضرائب
يدعو إلى الله دعاء الراغب
من مشفق من ذبه وتائب
يقول والأمر إلى العواقب
يا رب هب لي أحسن المواهب
قال الهمداني:
Bilinmeyen sayfa
المفعم: الممتلئ. وقران وشرب: مكانان من أرض عكاظ، وقران هذا غير قران اليمامة، وقران الجوف جوف أرحب، وهذه المواضع من الجرداء، ويضرب على مشرق جميع هذه المواضع جبل الحضن من المحجة على يوم وكسر، ثم ضرب الناس من قران وشرب ذات اليسار فعلوا رأس السراة وهو المناقب خمس عقاب منها الغمضة وغيرها، فانحدروا فيها وسقطت بهم على قرن الحرض، وهو الذي وقته النبي عليه السلام لأهل نجد ولأهل تهامة يلملم، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق.
فهذا قران الجبيل الذي ترى، وشرب ذكرناه آنفا.
وأما المناقب فهي الريعان التي نهبط إليها في طريقنا إلى مكة، بعد أن نجاوز السيل الصغير.
قلت: أعرفها وأعرف مضايقها ومخاوفها، حين تدخل فيها السيارات فلا تزال أبواقها تدوي حتى تخرج منها.
وقال ياقوت:
مناقب: اسم جبل معترض ، قالوا وسمي بذلك لأن فيها ثنايا وطرقا إلى اليمن، وإلى اليمامة، وإلى أعالي نجد، وإلى الطائف، ففيه ثلاث مناقب وهي عقاب ... إلخ.
وهذا يصدق قولك في أن المناقب هي هذه الريعان التي نجوزها بعد أن نرتقي من السيل الكبير إلى جبال الطائف.
ويزيد هذا ثبوتا أن صاحب الأرجوزة قال بعد ذكر مناقب:
حتى إذا أدنى الركاب مدني
بقوة المنعم لا بالوهن
Bilinmeyen sayfa
استبدلت بالخوف دار الأمن
وجاءت الميقات وادي قرن
ومسجدا حف بزي الحسن
به يهل الحج قبل الركن
والمشعرون البدن أهل البدن
ويزجر المرفث كي لا يخني
ويترك الفسق الذي لا يغني
وجدل القول الذي لا يعني
قال الهمداني:
بقرن مسجد النبي
Bilinmeyen sayfa