Metafizikten Pozisyonlar
موقف من الميتافيزيقا
Türler
نقدا للنظرية الانفعالية فيقول: إنه بناء على هذه النظرية، لو حكمت أنا على شيء بأنه خير، وحكمت أنت عليه بأنه شر، لم يكن حكمانا بالمتناقضين أخلاقيا؛ لأن كلا منا يكون عندئذ معبرا عن شعوره الذاتي، فذلك شبيه بقولي: إني كنت مريضا في أول فبراير، وقولك أنت عن نفسك بأنك كنت معافى في ذلك اليوم، فلا تناقض هنا؛ لأن كلا منا يشير بكلامه إلى حالته الخاصة، ثم يقول الدكتور «يوونج»: مع أن حكمي على الشيء بأنه خير وحكمك على نفس الشيء بأنه شر لا بد أن يكونا حكمين متناقضين، ولا يمكن أن يصدقا معا.
وهذا التعليق من الدكتور «يوونج» هو تعليق من لا يريد أن يأخذ بالنظرية الانفعالية لا أكثر ولا أقل، إن الحكمين متناقضان عند النظرية التي تجعل القيم موضوعية ثابتة، والحقيقة فعلا هي ألا تناقض هناك؛ لأن التناقض يكون بين القضايا المنطقية، أما قولي عن شيء: «هذا خير» وقولك عنه: «هذا شر»، فليس من القضايا المنطقية في شيء، القضايا المنطقية لا بد أن تكون تقريرية وصفية إخبارية يمكن وصفها بالصدق أو بالكذب، أما التعبير عن الميول والرغبات فليس هو من هذا القبيل، في هذه الحالة يكون قولي وقولك تعبيرين عن شعورين مختلفين، هما شعوري من ناحية وشعورك من ناحية أخرى؛ كأن يجلس اثنان في مكان مشمس، فيستمتع أحدهما بالدفء ويضيق الآخر بحرارة الشمس، فهاتان حالتان مستقلتان إحداهما عن الأخرى، كل منهما حالة نفسية قائمة بذاتها، وليس اختلافهما من قبيل التناقض؛ لأنهما ليسا بحكمين على شيء واحد معين.
النظرية التي ندافع عنها هي أن الحكم الأخلاقي تعبير عن انفعال المتكلم إزاء شيء ما، محاولا أن يحدث انفعالا شبيها به عند السامع، وإذن فلا صدق فيه ولا كذب؛ لأن الانفعالات النفسية ليست مما يوصف بصدق أو كذب، إذ لو كانت القضية الأخلاقية وصفا لشيء خارجي؛ لأمكن مراجعة صدقها بالمطابقة بينها وبين ذلك الشيء الخارجي، لكن الحكم الأخلاقي - كما قلنا - ليس من هذا القبيل الوصفي، ليس هو حكما على واقع شيئي عيني موضوعي بعيد عن ميول المتكلم ورغباته وأهوائه، فإذا قلت لأحد: إن سرقتك لهذا المال خطأ، فأنا باستعمالي لكلمة «خطأ» هنا لا أضيف إلى مضمون الواقع شيئا، كأني لم أزد على قولي: «أنت سرقت هذا المال!!» (وعلامتا التعجب هنا رمز يشير إلى أني قد أخرجت العبارة بصوت يدل على حالة انفعالية خاصة)، وحتى إذا عممت القول فحكمت بأن «سرقة المال خطأ» فأنا بذلك لا أقول قضية يجوز عليها الصدق أو الكذب، إنما هو مجرد تعبير عن ميل عندي أحب أن يكون عليه سلوك الناس، وقد يقول شخص آخر نقيض ذلك، دون أن يكون في إمكان أحد الجانبين إثبات ما يقوله هو ونفي ما يقوله الجانب الآخر، إذ ليس هنا ما يثبت وما ينفى، فالحكم الأخلاقي لا إثبات له ولا نفي، حكمه في ذلك حكم صرخة الألم أو كلمة الأمر، وما إلى ذلك من الأشياء التي تعبر عن حالة شخصية ولا تصور أمرا خارجيا.
24
إنه يستحيل المجادلة فيما يتعلق بمسائل القيم، فإذا قلت أنت: إن الإسراف فضيلة، وكان من رأيي أنا أن الإسراف رذيلة، فكل ما يمكن المجادلة فيه هو أن أحاول إطلاعك على بعض عناصر الموقف التي ربما تكون قد غابت عنك، وهذا نقاش في أمر واقع، لا في قيمة هذا الواقع، أما إذا وجدت أنك مدرك للموقف بكل عناصره، لا يغيب عنك مما أعرفه أنا شيء ، ومع ذلك تظل تضيف إلى هذه العناصر التي اتفقنا عليها معا، حكمك بأنها خير، وأظل أنا أحكم عليها بأنها شر، فليس يمكن لجدال أن ينتهي بأحد منا إلى إثبات صدق قوله وكذب قول الآخر، إذ لم يعد هنالك في الموقف الخارجي جانب نختلف عليه، ويمكن الرجوع إليه، لتصديق واحد وتكذيب الآخر، بل بات الخلاف كله في الأهواء والميول، مما يستحيل الجدل فيه، كما يستحيل أن يتجادل اثنان في لذة طعام أحدهما يحبه والثاني يمجه ويكرهه.
6
رأينا هو أن العالم لا خير فيه ولا جمال، بمعنى أنه ليس بين أشيائه شيء اسمه خير وشيء آخر اسمه جمال، في العالم أشياء كثيرة: فيه أشجار وأنهار وأحجار، وصنوف شتى من الحيوان، ثم يأتي الإنسان فتعلمه الخبرة وتنشئه التربية على أن يحب شيئا ويكره شيئا، ومن هنا يكون ما أحبه خيرا وما يكرهه شرا، أو يكون ما يحبه جميلا وما يكرهه قبيحا، وما أكثر ما يحدث أن ترى الإنسان يبدأ حياته باستحسان شيء وعده خيرا وجميلا، وإذا بظروف حياته تتغير، وطريقة تكوينه العقلي ووجهة نظره تتبدلان بفعل العوامل المؤثرة من بيئة وقراءة وأسفار واختلاط بالناس وغير ذلك، فإذا هو ينتهي من كل هذا إلى استهجان ما كان يستحسنه أول الأمر، وإذن فالشيء نفسه يكون خيرا أو شرا، جميلا أو قبيحا، حسب ما تراه أنت فيه، والمحيط الاجتماعي والمصلحة الذاتية هما اللذان يحددان لك ما تراه في الشيء من خير أو جمال أو غير ذلك.
يقول سبينوزا: «يظن الناس أنهم يرغبون في الأشياء لأنها خيرة، والأمر على حقيقته هو أن الأشياء تكون خيرة؛ لأن الناس يرغبون فيها.» فقولنا عن شيء: إنه خير، مساو بحكم التعريف لقولنا عن الشيء نفسه: إنه مرغوب فيه، وهنا قد يسأل سائل: مرغوب فيه ممن؟ والجواب هو أن الأمر يختلف باختلاف الحالات الفردية، ففي حالة ترى الشيء مرغوبا فيه من أهل الأرض جميعا وفي كل العصور الماضية والحاضرة، وفي حالة أخرى ترى الشيء مرغوبا فيه من أمة دون أخرى، وإذن فهو خير عند الأولى وشر عند الثانية، وفي حالة ثالثة ترى الأمة الواحدة تنقسم جماعات في حكمها على شيء ما، فما قد يراه أهل الوجه البحري في مصر مثلا شرا قد يراه أهل الوجه القبلي خيرا، كالنظر إلى الأخذ بالثأر، وهكذا وهكذا، والأمل في توحيد القواعد الأخلاقية في الشعوب مرهون باتحادها في الحاجات الرئيسية، فإن استقر الرأي في العالم كله على أن الحاجة الرئيسية للناس هي الطمأنينة الاقتصادية - مثلا - بحيث ينفر الناس جميعا من الحرب إن توافرت لديهم الموارد المادية، أصبحت الحرب شرا مجمعا عليه، لكن قد لا يكون التوحيد في الحاجات الرئيسية ممكنا، وعندئذ يستحيل أن تتحد قواعد الأخلاق في العالم كله.
لكن فريقا من الفلاسفة الأخلاقيين - وعلى رأسهم «مور» في عصرنا هذا - يريد أن يجعل «الخير» صفة موضوعية خارجية يدركها الإنسان كما يدرك اللون الأصفر، وإذا سألناهم بأية حاسة يدرك الإنسان صفة الخير في الشيء الذي يقول عنه إنه خير، أجابوا إنه يدركها «بالحدس» [أي بالإدراك العقلي المباشر أو بالعيان العقلي أو بالبصيرة؛ فهذه كلها ترجمات جارية لكلمة
intuition ]، فالحدسيون يرون أن كلمة «خير» تشير إلى صفة «لا طبيعية» لا يمكن إدراكها بإحدى الحواس الخمس المعروفة، ويمكن أن نسمي هذه الحاسة السادسة المفروضة بالحدس الأخلاقي، ومن ثم ينكر الحدسيون بأن تكون صفة الخير مطابقة لأية صفة طبيعية مما نألفه كاللون والشكل والوزن وما إلى ذلك، وبالتالي فليست هي مرادفة لأي وصف تأتي به مركبا من هذه الصفات الطبيعية، وبعبارة أخرى: فإن صفة «الخير» - عندهم - لا يمكن تحليلها أو تعريفها بغيرها من الصفات التي تدرك بسائر الحواس، فإذا قلت لك: إن «س خير»، فإما أن يكون لديك الحدس الذي تستطيع به أن تدرك في «س» هذه الصفة كما أدركها أنا، وإما ألا يكون لديك الحدس المطلوب، وإذن فلا أمل في أن ترى ما أدلك عليه، الأمر في ذلك كالأمر في اللون عند الأعمى، إذا قلت للمكفوف: «س أصفر»، فلا أمل له في أن يرى ما أدله عليه في «س»؛ لانعدام حاسة البصر عنده، ولاستحالة أن نعرف اللون الأصفر بغيره من الصفات التي يدركها الأعمى بسائر حواسه.
Bilinmeyen sayfa