Metafizikten Pozisyonlar
موقف من الميتافيزيقا
Türler
وإذن فمعلومات الإنسان على كثرتها تقع في أقسام أربعة، تمثلها أربعة أنواع من القضايا، فالقضية التي نعبر بها عن شيء نعلمه، لا تخرج عن أن تكون واحدة مما يلي: (1)
قضية قبلية تحليلية، مثل قولنا: «الأجسام ممتدة.» فهذه معرفة قبلية لا تحتاج إلى خبرة حسية لكسبها؛ لأن كلمة «الأجسام» نفسها لا يمكن فهمها بغير أن نعلم أن «الامتداد» جزء من معناها، فكأنني إذا عرفت كلمة «الأجسام» وحدها وأدركت معناها، فقد عرفت بالتالي أنها «ممتدة»، وإذن فهي معرفة قبلية؛ لأنها لا تعتمد على الخبرة الحسية، وهي تحليلية لأن محمولها لا يضيف شيئا إلى موضوعها، أعني أننا لا نقول بها شيئا سوى أن نحلل الموضوع تحليلا يبرز بعض عناصر معناه. (2)
قضية قبلية تركيبية، مثل قولنا: «كل المعادن تتمدد بالحرارة.» فهي أولا تركيبية بمعنى أن المحمول فيها وهو «يتمدد بالحرارة» ليس جزءا من المعنى الضروري لكلمة «معادن»، فليس يشترط العقل أن تكون المعادن مما يتمدد بالحرارة، وإنما علم الإنسان عنها هذه الصفة بالخبرة والمشاهدة، لكن الإنسان في خبرته تلك ومشاهدته لم يستعرض كل أجزاء المعادن جزءا جزءا، بل اكتفي بقليل منها رآه يتمدد بالحرارة، فعمم الحكم قائلا: «كل المعادن تتمدد بالحرارة.» فهو بهذا الحكم العام يحكم على أجزاء من المعادن لم تقع له في خبرته ولم تخضع لمشاهدته، وإذن فعلمه عنها قبلي غير معتمد على تجربة حسية.
ومن هذا القبيل تكون قضايا العلوم التجريبية كلها، فهي كلها تعميمات يعلم الإنسان شمولها على أفراد النوع كله، وضرورة صدقها على كل هذه الأفراد، على الرغم من أن الباحث لم يستعرض بخبرته إلا جانبا ضئيلا من هذه الأفراد، وسترى فيما بعد أن هذا النوع من القضايا - أعني القضايا القبلية التركيبية - هو الذي كان عند «كانت» مشكلة المشاكل، حتى تستطيع أن تعد فلسفة «كانت» كلها محاولة لتحليل هذا النوع، كي يقوم بناء العلم على أساس مكين، إذ العلم - كما قلنا - قضاياه كلها من هذا القبيل. (3)
قضية بعدية تحليلية، كقولي مشيرا إلى الحائط الذي أمامي «هذا الجدار أبيض.» فأنا في هذه الحالة أتحدث عن جدار جزئي معين أراه رؤية مباشرة وأشير إليه، ويستحيل أن أراه ولا أرى في الوقت نفسه أنه «أبيض»، وإذن فكلمة «أبيض» لا تضيف علما جديدا إلى معرفتي «لهذا الجدار»، إنني ما دمت قد عرفت «هذا الجدار» بأن وجهت انتباهي إليه، فقد عرفت بالتالي صفة البياض فيه، وعلى ذلك فهي قضية تحليلية، أما إنها بعدية فواضح من أنني لا أستطيع أن أعرف «هذا الجدار» إلا بعد خبرة حسية، فلا بد أن أوجه إليه بصري لأعرف وجوده ولونه. (4)
قضية بعدية تركيبية، كقولي: إن عدد أوراق هذه الزهرة مساو لعدد أوراق تلك الزهرة، المعرفة هنا جاءت من الخبرة الحسية، وإذن فهي بعدية، ثم هي تركيبية؛ لأن معرفتي لعدد أوراق الزهرة الأولى لا تتضمن شيئا بالنسبة لعدد أوراق الزهرة الثانية، فقد تكون الزهرة الثانية أكثر أو أقل أو مساوية في عدد أوراقها للزهرة الأولى.
هذه أنواع أربعة من القضايا تمثل كل ضروب المعرفة عند الناس ، وليس فيها ما يثير الإشكال إلا القضية القبلية التركيبية، فلا إشكال في قضية قبلية تحليلية؛ لأني ما دمت قد اعترفت أن علمي فيها مستقل عن الخبرة الحسية وغير معتمد عليها، فقد اعترفت بالتالي أنني لم أزد بها على عملية تحليل لبعض معارفي، كذلك لا إشكال في قضية بعدية تركيبية؛ لأني ما دمت قد اكتسبتها من الخبرة الحسية وحدها، فلا بد أن يكون فيها إضافة إلى ما كنت أعلمه، ولا إشكال أيضا في قضية بعدية تحليلية حين يكون الموضوع فيها فردا جزئيا ندركه بحواسنا إدراكا مباشرا، وحين يكون المحمول فيها صفة لا بد أن تظهر في الموضوع بمجرد إدراكه، كلون الجدار في المثل الذي أسلفناه.
لكن الإشكال كل الإشكال في القضية القبلية التركيبية؛ لأنها بحكم كونها تركيبية، تكون معتمدة على الخبرة الحسية، إذ هذه الخبرة وحدها هي التي تضيف إلى علمي علما جديدا، وتكون أيضا بحكم كونها تركيبية لا هي بالشاملة ولا هي بالضرورية؛ لأني إذا خبرت بعض أفراد المعادن - مثلا - ووجدتها تتمدد بالحرارة، فهذا «البعض» المختبر هو وحده حدود علمي، ولا يجوز لي أن أجاوزه إلى سائر أجزاء المعادن التي لم أخبرها، إذن فالقضية بحكم كونها تركيبية لا تكون شاملة، كذلك لا تكون ضرورية؛ لأنه كان يجوز للخبرة الحسية أن تأتيني من العلم بغير ما أتت به، كأن يجوز مثلا أن أخبر المعادن فلا أجدها تتمدد بالحرارة، فكوني وجدتها تتمدد بالحرارة أمر لا ضرورة فيه من العقل ولا تحتيم، فهكذا وجدتها، وكان يمكن أن أجدها على غير هذه الصورة. أعود فأقول: إن القضية بحكم كونها تركيبية لا هي بالشاملة ولا بالضرورية، لكنها من جهة أخرى بحكم كونها قبلية لا بد أن تدل على الشمول والضرورة، فالقضية العلمية: «كل المعادن تتمدد بالحرارة» لا يقتصر صدقها على جزئيات المعادن التي خبرناها، بل صدقها شامل للمعادن كلها بكل أجزائها، وصدقها ضروري بمعنى أنه يستحيل أن نجد جزءا من المعدن لا يتمدد بالحرارة،
18
فمن أين جاء هذا الشمول وجاءت هذه الضرورة للقضايا التركيبية القبلية ، وهي بعينها قضايا العلوم؟ وبعبارة أخرى: من أين جاء هذا اليقين لدينا بصدق أحكام العلم؟ هذا هو السؤال الذي حاول «كانت» أن يجيب عنه، فانتهج في محاولته هذه طريقته النقدية التي نحن بصدد شرحها.
Bilinmeyen sayfa