Metafizikten Pozisyonlar
موقف من الميتافيزيقا
Türler
2
كان الشائع منذ «ديكارت» أن العلوم ثلاثة، هي: الرياضة وعلم الطبيعة والميتافيزيقا، واستعرض «كانت» موقف هذه العلوم الثلاثة واختبر صلابة الأسس التي تقوم عليها، فانتهى إلى نتيجة أيقن بصدقها، وهي أن الرياضة وعلم الطبيعة كليهما يقومان على أسس صحيحة؛ ولذلك تقدما، وأما الميتافيزيقا فهي وحدها التي يقوم بناؤها على أساس واه متهافت ضعيف؛ ولذلك رآها متعثرة الخطى، فجعل مهمته أن يحلل الأسس التي قامت عليها الرياضة وعلم الطبيعة، لعله يهتدي على ضوئها إلى الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه الميتافيزيقا فتتقدم بمثل ما تقدما.
وجد «كانت» أن الرياضة قامت على أساس متين منذ أيام اليونان، وأن علم الطبيعة كذلك قد قام على أساس سليم منذ جاليليو في عهد النهضة الأوروبية، فماذا صنع اليونان للرياضة؟ وماذا صنع جاليليو لعلم الطبيعة؟ لعلنا نستطيع أن نصطنع للميتافيزيقا مثل ما صنع هنا أو هناك، فتستقيم لها الطريق كما استقامت طريق الرياضة والعلوم الطبيعية.
أما الرياضة فقد كشف اليونان لها عن طريق التقدم العلمي، حين عالجوا مشكلاتها لا على أساس أنها مسائل جزئية عملية تصادف الإنسان في حياته اليومية، بل عالجوها على أساس فروض افترضوها، ثم حاولوا أن يستنبطوا منها كل ما يمكن استنباطه من نظريات ونتائج، فليس علم الهندسة - مثلا - هو أن أرسم مثلثا وأقيس أبعاد أضلاعه وانفراج زواياه، بل هو افتراض مسلمات أولية، ثم استنتاج بناء نظري يتولد بالضرورة عن تلك المسلمات، فانظر إلى كتاب إقليدس، تجده قد بدأ الكتاب ببديهيات ومصادرات مسلم بها وتعريفات يشترطها لبعض ألفاظ هامة في علم الهندسة، كالنقطة والخط والسطح، ثم أخذ بعد ذلك يستنتج النظريات التي تلزم عن تلك المقدمات المفروضة، إن الهندسة لا تكون علما حين نقول لأنفسنا: هذه قطعة أرض مثلثة الشكل، فهلم نقس أبعادها، بل تكون الهندسة علما حين نبدأ بفرض قائلين: افرض أن أ ب ج مثلث، وافرض أن أ ب = أ ج، فماذا يترتب على هذا الفرض وذاك من نتائج؟ وبكلمة مختصرة نقول: إن اليونان قد جعلوا الرياضة علما قائما على أساس صحيح، حين جعلوها بناء قائما على فروض، فيفرضون الفروض أولا، ثم يسألون أسئلة محاولين الإجابة عنها على أساس تلك الفروض.
وذلك بعينه ما وجده «جاليليو» في علم الطبيعة حين أراد أن يرسي قواعده على أرض صلبة، إذ وجد أن طريق التقدم العلمي في هذا الميدان أيضا، هو في فرض الفروض ثم في التفكير في التجارب التي تثبتها، وليس تقدم العلوم الطبيعية مرهونا بمشاهدات جزئية ثم البحث عما تدل عليه تلك المشاهدات.
والسمة المشتركة بين موقف اليونان إزاء الرياضة وموقف جاليليو إزاء علم الطبيعة، هي أن كليهما لم يحاول بناء العلم بادئا تدليله من مشاهدة الأشياء الجزئية التي تمر عابرة في الحياة اليومية، بل راح يسأل الأسئلة بناء على فروض يفرضها، ثم يحاول الإجابة عنها، فكأنما العلم هو في صميمه أسئلة يجاب عنها، وفي ذلك قال «بيكن» بحق عن علم الطبيعة: إنه استجواب للطبيعة، فالعالم يفرض لنفسه فرضا، ثم يلقي على الطبيعة سؤالا تلو سؤال؛ ليرغمها على الإجابة له إن كان فرضه ذاك صوابا أو لم يكن، وليست مهمة العالم عنده هي أن يقف إزاء الطبيعة موقفا سلبيا، يشاهد ما يفرضه عليه، ويسجله وهو قانع به، وقد اعترف «كانت» بما هو مدين به ل «بيكن» في هذا الاتجاه، بل اتخذ عبارة مقتبسة من بيكن شعارا لكتابه في «النقد».
3
فالذي أراد «كانت» أن يدعو إليه، هو أن طريق التقدم للميتافيزيقا مرهون كذلك - كما هي الحال في الرياضة والعلوم الطبيعية - بأن يعرف الميتافيزيقي كيف يفترض لنفسه الفروض، ثم كيف يلقي الأسئلة على أساس تلك الفروض بطريقة منظمة منسقة، بدل أن يمضي في حجاج أعمى انتظارا لما قد يؤدي هذا الحجاج إليه من نتائج.
ونعيد هذا الذي قلناه، بعبارة «كانت» نفسه كما وردت في مقدمته للطبعة الثانية من كتابه «نقد العقل الخالص»،
4
Bilinmeyen sayfa