Metafizikten Pozisyonlar
موقف من الميتافيزيقا
Türler
38
وماذا يكون «منطق» أرسطو إذا لم يكن محاولة جبارة أصيلة في التحليل؟ إنه بمؤلفه ذاك لم يرد بالطبع - لطبيعة المنطق الصورية البحت - أن يقرر حكما بذاته على أية ظاهرة من الظواهر الطبيعية، إنه لم يرد أن يصف شيئا - فيما عدا العبارات الكلامية - وإنما جعل موضوعه تحليل هذه الأقوال التي يقولها الناس في شتى نواحي القول ، ليعلم القوالب الصورية التي تنحصر فيها أقوال الناس على كثرتها وتنوع موضوعاتها، فإذا قال أرسطو: إن القضية -كائنة ما كانت - تتألف من موضوع ومحمول، فهو إنما يحلل بذلك فكر الناس في عصره (وفي عصور طويلة تلت) بأن الإنسان ليس في مستطاعه أن يتحدث إلا إذا تحدث عن «شيء» ما، فيصفه بهذه الصفة أو تلك، وهو اعتقاد ينبني على اعتقاد أسبق منه، هو أن في العالم عناصر ثابتة، لكل عنصر منها هوية يمكن تحديدها وتعريفها، ثم يمكن وصفها بنعوت مختلفة، كما أقول عن البرتقالة مثلا: إنها مستديرة، أو إنها صفراء ... إلخ، ولما تغير هذا الرأي في عصرنا الحاضر، ولم يعد فكرنا العلمي قائما على أساس الهوية الثابتة للأشياء، بل على أساس أن الشيء المعين إن هو إلا تاريخه المؤلف من سلسلة حوادث، كل حادثة منها تقع في مكان معين وزمان معين، لم يعد شرطا - في المنطق الحديث - أن يكون الكلام دائما مؤلفا من موضوع ومحمول كما ظن أرسطو، لكن أرسطو لم يخطئ حين قال هذا الذي قاله في تحليل القضية؛ لأنه إنما يحلل الكلام الذي يقع له في أحاديث الناس تحليلا يستخرج به ما يتضمنه من عناصر، وما ينطوي عليه من صورة.
والفلاسفة التجريبيون من الإنجليز: «لوك» و«باركلي» و«هيوم» وأتباعهم، هم - على وجه الإجمال - من أولئك الذين نظروا إلى الفلسفة على أنها طريقة في التحليل، فلو استبعدت ما كتبوه في علم النفس؛ وجدت بقية آرائهم تحليلات لطائفة من المعاني،
39
وأصح من ذلك أن نقول عنهم ما قاله «آير»،
40
وهو أن معظم ما كتبه هؤلاء الفلاسفة يندرج تحت ما يسمى في فروع الفلسفة بنظرية المعرفة، والمفروض فيها أن تحلل ضروب الإدراك المختلفة بما في ذلك - إلى جانب المعرفة بمعناها الدقيق - الخيال والاعتقاد والتمييز بين ألوان القضايا المختلفة، وتحليل هذه القضايا وما يرد فيها من مدركات.
كان «لوك» فيلسوفا تحليليا؛ لأنه في الأعم الأغلب لا يثبت قضايا تجريبية بعينها أو ينفيها، بل تراه يتناول القضايا التي يقولها الناس كما هي ليحلل معانيها، وكذلك «باركلي » لا يتعرض - في الأغلب - إلى إثبات شيء أو إنكار شيء، بل يكاد هو أيضا يقتصر على تحليل ما يقال، وليس صحيحا ما هو شائع عنه من أنه أنكر وجود الأشياء المادية كالمقاعد والمناضد، فالذي ينكره هو التحليل الذي تقدم به «لوك» لأمثال هذه الأشياء، أعني أنه أبدل تحليلا بتحليل، فقد جعل «لوك» الإحساسات التي نتلقاها بحواسنا من شيء ما - كهذا القلم الذي في يدي مثلا - مرتبطة بعنصر، أي إن للشيء جوهرا مركزيا تلتف حوله صفاته، بحيث نستطيع أن نقول عن القلم مثلا: إنه أزرق وصلب ... إلخ، لكن «باركلي» لم يوافق على هذا التحليل، وجعل صفات الشيء لا تلتف حول عنصر أو جوهر، بل يرتبط بعضها ببعض فحسب، بحيث لا يكون الشيء عنده إلا مجموعة إحساساتنا به، متصلا بعضها ببعض على صورة ما، وكان الخطأ الذي وقع فيه «باركلي» حين تصدى لنقد «لوك» هو أنه استثنى النفس، إذ جعلها عنصرا قائما بذاته؛ ولهذا نهض «هيوم» ليدفع نقد «باركلي» إلى نتائجه المنطقية حتى النهاية، وإذن فالنفس أيضا إن هي إلا حالات مجزأة متتابعة، متصل بعضها ببعض على صورة ما، دون أن يكون هناك عنصر جوهري مركزي تتعلق به تلك الحالات، وهكذا ترى شغلهم الشاغل هو تحليل معاني كلام الناس في حياتهم الجارية أو في حياتهم العلمية، فماذا نعني حين نقول مثلا: هذا قلم؟ نعني - عند «لوك» - هذه مجموعة صفات تلتف حول عنصر خفي، ونعني - عند باركلي وهيوم - هذه مجموعة من الإحساسات ارتبط بعضها ببعض على نحو ما. حتى فكرة السببية التي كثيرا ما يقال عن «هيوم»: إنه أنكرها، لم تكن قط عنده موضع إنكار؛ لأنه فيلسوف يحلل العبارات والمدركات ولا يثبت شيئا أو ينكر شيئا، إنه اقتصر في فكرة السببية على تحديدها وتعريفها
41
فألقى ضوءا على ما يتضمنه قولنا مثلا: إن الكرة «أ» هي التي دفعت الكرة «ب» فحركتها.
Bilinmeyen sayfa