Ateş Dalgası: Hikaye Koleksiyonu
موجة نار: مجموعة قصص
Türler
إلى أن جاء صباح يوم فيما أنا أذرع الطريق قاصدا أسواق البلدة حيث أصطاد قوتي، وإذا بسيارة 12 سيلندر خضراء فخمة لماعة حاذتني متمهلة ووقفت ونزل منها من ناداني باسمي، ومد إبراهيم يده إلي وصاح: «ضعها هنا، وقل لي إنك غفرت لي.» فوضعت يدي في يده البضة المترهلة وصافحته كأني أصافح شبحا، ونظرت إليه فإذا هو قد بدن وتراخى وظهر لأول وهلة متخنثا أو كممثلي هوليوود، على رأسه برنيطة خضراء شك في شريطتها ريشة حمراء، يعلو شفته شارب قصير ثائر، ويلفلف بدين جسمه طقم خمري، ويتدلى من جيب سترته منديل أحمر، تجاوره زهرة من القرنفل، وشدت إلى رسغه ساعة شفافة، ودار حول وسطه الضخم زنار أبيض ينتهي ببكلة ذهبية حفر عليها اسمه، وتختبئ قدماه في حذاء مثلث الألوان. «أما غفرت لي؟» صاح إبراهيم: «ادخل الأوتوموبيل؛ فأنا في حاجة إليك. لم يكن اجتماعي بك صدفة فأنا جاد في طلبك منذ حين. إني في حاجة إلى مساعدتك.» فتبسمت وتطلعت إلى تلك السيارة، وأجبت مستغربا: «أنت في حاجة إلى مساعدتي أنا؟ دعني وشأني. إني أحب رياضة المشي.» قال متضرعا: «لا تكن حقودا.» وما زال بي حتى أدخلني سيارته وركضت بنا إلى بناية عرفت مما كتب على رتاجها أنها «مكتب مخلفات الجيش الأميركي». وسار إبراهيم متأبطا رزمة صغيرة، فتبعته، وشعرت حينما صرنا في داخل البناية أن رفيقي ذو شأن؛ إذ رأيت كل من مر به يحييه تحية تواضع، أو خشية، أو دعابة. كذلك سمعت بعضهم يدعوه «الجنرال»، فسألته: ما معنى ذلك اللقب؟ فضحك إبراهيم وأجاب: «إن أعلى موظف في هذا المكتب هو في رتبة كولونيل، ويسمونني جنرالا؛ اعتقادا منهم أني أعظم شأنا من عريفهم!»
وفيما هو يشرح لي هذا، أطلت امرأة أميركية شقراء، من الملتحقات بالجيش؛ فعانقها صاحبي، وبعد مطر من القبلات ناولها الرزمة وهنأها بعيد ميلادها، ونزع زهرة القرنفل من عروة سترته وشكها في صدر صاحبة العيد، وإخالني رأيته قد كبس بأصابعه أعلى ثديها.
وكأنما ظهور الجنرال في ذلك المكتب كهربه وقد كان ناعسا؛ فتحرك الضباط من وراء الطاولات، وراح الكتبة يقلبون الدفاتر. وكان في الرواق جمع من التجار الصينيين فأقبلوا على إبراهيم ودار الهمس والغمز، وتبادل الأوراق، والعروض، وإبراهيم المحور الذي يدور حوله كل شيء. وقد اشتد الجدل حول طاولة جلس خلفها ضابط برتبة كابتن، عديم شعر الرأس، ناداه إبراهيم: «يا أقرع!» فهرع هذا يتبعه تاجر صيني أعرف أنه من أكبر مستوردي المأكولات في المدينة. وبعد أن اشتد الجدل والتاجر الصيني يعترض بقوله: «هذا كثير. هذا كثير.» صرخ إبراهيم: «طيب، خمسون ألفا، اقبلها أو ارفضها.» ونادى بي، فخرجنا إلى السيارة. وفيما نحن نفتح بابها لحق بنا الصيني باسما فرمى بصرة إلى داخل الأوتوموبيل وقال: «طيب، هاك الخمسين ربحك، سلمني ورقة البيع.» فناوله إبراهيم بعض صكوك وصاح بالسائق: «إلى المكتب.»
وحينما صرنا في داخل المكتب عجبت لخلوه من المستخدمين ، ولحقارة شأنه وصغره، وكأنما قرأ إبراهيم أفكاري فأوضح: «إني لا أستخدم أحدا؛ إذ إني لا أريد ائتمان أحد.»
وفتل الزر الكهربائي فانتشر النور، وفتح إبراهيم الصندوق الحديدي الهائل الذي كاد يملأ المكتب، ثم أحكم المفتاح في أسفله ودار به؛ فانفرجت دفة عن رزم الأموال، فرمى بالصرة التي أعطاه إياها الصيني، وأقفل أسفل الصندوق الداخلي، وسلمني سائر مفاتيح الصندوق والمكتب قائلا: «اسمع، ليس في هذه البلدة من أثق به سواك، أنا مسافر في الغد إلى جبال «أيلوكوس»، أربع ساعات في الأوتوموبيل، وعشرون كيلومترا مشيا - هناك سأثبت حقي بمعدن ذهب أعطاني خارطته ذلك الأيرلندي «أوهارا»، هل تذكره؟ لقد أخبرتك أنه مات في سراديب معادن الذهب، قتلته الزنطاريا، وأعطاني هذه الخارطة فيما هو يحتضر، رحمه الله.»
وقهقه مرحا: «سأبكر في المسير بعد منتصف الليل، فنبلغ الجبل عند الشروق، ونزرع العواميد، واسمي محفور عليها، في حدود تلك الأرض، ثم ننحدر إلى «سانتاماريا» قاعدة تلك المنطقة، فنسجل الأرض بعد ظهر الغد أو صباح بعد غد. كل هذه السفرة لن تستغرق إلا ثلاثة أيام. أما أنت، فاجلس وراء هذه الطاولة، ستأتيك مني أوراق كثيرة فاقبض وادفع بحسب الطلبات التي تحمل توقيعي. كل تجارتي ومعاملاتي هي باسم «مكحش وشركاهم».»
قلت: «من أين لي أن أدفع وأراك قد احتفظت بالمفتاح حيث المال؟» فقهقه ثانية وقال: «ستفهم كل شيء في الغد. إن التجارة هي في أن تقبض أكثر مما تدفع.» قلت: «وما معنى «مكحش وشركاهم»؟» فعاد يضحك وأجاب: «ألا ترى الأميركان يخترعون الكلمات بأن يؤلفوا من أول حرف من عدة كلمات كلمة جديدة واحدة؟ «مكحش» هي اختصار «ما أكثر الحمير وشركاهم». مضحكة هاه؟» ورجع يضحك من جديد.
وحينما ودعني رجع يتضرع من جديد: «إني في حاجة إليك.» وقد أضاف هذه المرة: «إن حصتك من الربح هي خمسة آلاف دولار في هذه الأيام الثلاثة.»
في صباح اليوم التالي، فتحت باب مكتب إبراهيم جوهر، فشعرت كأني داخل قبرا، فأسرعت إلى النافذة ففتحتها على مصراعيها، وأنرت كل المصابيح الكهربائية، وجلست وراء المكتب حائرا فيما أفعل. وسرعان ما دخل علي زنجي أميركي متدلي الشفتين، أحمر العينين، ضخم الأجفان، فبادرني بالسلام قائلا: «نهارك سعيد يا دكتور.» قلت: «ما أنا بدكتور، من أنت وما تريد؟» أجاب: «أيحرم على الإنسان أن يتأدب بإلقاء التحية؟ أنا عمك جو، جئتك بالمخمل، هذه شورباء العظام المباركة، وهذه رغوة دم الملائكة.» ولقد سرت بي رعشة خوف وتطلعت إلى الباب أقصد الفرار، ولكني رأيت الزنجي بيني وبين المهرب.
وأرسل الزنجي زفرة وصاح: «يا للبقرة المقدسة! إن الأزرار النحاسية غلا ثمنها.» وكأن محدثي لحظ الرعب الذي حل بي، وعرف من بلاهة نظراتي أني لم أفهم ما يقول؛ فزاد: «إخالك تجهل اللغة الأميركية، المخمل هو صافي الربح، العظام المباركة هي «الزهر» المزيف.» وانتزع من جيبه مكعبين من عظم أبيض، واحدا يحمل علامة الصفر على وجوهه الستة، وآخر عليه ست نقاط في كل وجه. ثم تابع الزنجي شرحه القاموسي: «دم الملائكة» هو الخمور، الأزرار النحاسية هي البوليس؛ يعني أن هاتين الصرتين تحتويان على الأرباح الصافية، في الليلة البارحة، من طاولة الزهر، وبيع الخمور، بعد أن دفعنا للبوليس حصتهم التي ضخموها. وبعبارة ثانية، هذه غلة النادي الاجتماعي الذي أديره أنا ويملكه مواطنك إبراهيم. إلى هناك هو يسوق الضباط الذين يرشوهم في النهار، ونحن ننهبهم في الليل.» ورجع يضحك. ثم سلمني ورقة عليها بالعربية: «استلم من هذا اللص ذي الوجه العاجي ما يعطيكه من غلة النادي، إبراهيم.» وحين انصرف زائري وصار في الباب، التفت إلي متهكما: «بخاطرك يا دكتور.» وغمزني مشيرا إلى الفتاة الشقراء التي أقبلت علي في خطوات خفيفة ووجه صبوح وعاجلتني بتحية: «صباح الخير.» بصوت عال شأن الأميركيات؛ فقد كانت تلك الفتاة صاحبة العيد أمس، وناولتني حالا ورقة من إبراهيم: «ادفع لهذه الشقراء مائتي دولار، واقبض منها قبلتين أو أكثر.» فدفعت لها المائتي دولار حالا، فشكرتني مبتسمة سائلة: «أفي وسعي أن أقضي لك حاجة؟» فشكرتها وأجبتها سلبا، وخرجت كما أقبلت رشيقة، تمشي على قدمين قويتين، مرفوعة الرأس واسعة الخطا.
Bilinmeyen sayfa