Cahiz'in Mektupları

Cahiz d. 255 AH
75

Cahiz'in Mektupları

رسائل الجاحظ

Yayıncı

دار ومكتبة الهلال

Baskı Numarası

الثانية

Yayın Yılı

١٤٢٣ هـ

Yayın Yeri

بيروت

Türler

Belagat
وعونا على الرضا بالتقليد. ولولا حلاوة الإخبار والاستخبار عند الناس لما انتقلت الأخبار وحلّت هذا المحلّ. ولكن الله ﷿ حبّبها إليهم لهذا السبب، كما جعل عشق النّساء داعية للجماع، ولذّة الجماع سبيلا للنّسل، والرّقة على الولد عونا على التربية والحضانة- وبهما كان النشوّ والنماء- وحبّ الطعام والشراب سببا للغذاء، والغذاء سببا للبقاء وعمارة الدنيا. فعسر على الإنسان الكتمان لإيثار هذه الشهوة، والانقياد لهذه الطبيعة، وكانت مزاولة الجبال الراسيات عن قواعدها أسهل من مجاذبة الطباع. فاعتراه الكرب لكتمان السرّ، وغشيه لذلك سقم وكمد يحسّ به في سويداء قلبه بمثل دبيب النمل، وحكّة الجرب، ومثل لسع الدّبر ووخز الأشافي، على قدر اختلاف مقادير الحلوم والرّزانة والخفّة. فإذا باح بسرّه فكأنه أنشط من عقال. ولذلك قيل: «الصّدر إذا نفث برأ» مثلا مضروبا لهذه الحال. وقيل: ولا بدّ من من شكوى إذا لم يكن صبر وليس قولنا «طبع الإنسان على حبّ الإخبار والاستخبار» حجّة له على الله، لأنّه طبع على حب النّساء ومنع الزّنى، وحبّب إليه الطعام ومنع من الحرام. وكذلك حبّب إليه أن يخبر بالحقّ النافع ويستخبر عنه، وجعلت فيه استطاعة هذا وذاك، فاختار الهوى على الرأى. وممّا يؤكّد هذا المعنى في كرب الكتمان وصعوبته على العقلاء فضلا عن غيرهم، ما رووه عن بعض فقهائهم أنه كان يحمل أخبارا مستورة لا يحتملها العوامّ، فضاق صدره بها، فكان يبرز الى العراء فيحتفر بها حفيرا يودعها دنّا، ثم ينكبّ على ذلك الدّنّ فيحدّثه بما سمع، فيروّح عن قلبه، ويرى أن قد نقل سرّه من وعاء الى وعاء.

1 / 91