فإن قال : فكيف عرفت ربك هكذا ؟ فقل : نظرت إلى هذا الخلق فوجدته ذليلا مقهورا مغلوبا مربوبا، فعلمت أن له عزيزا أذله وأن له قاهرا قهره، فعلمت أنه ربه وأنه { ليس كمثله شيء } (¬1) .
فإن قال : فمن أين تنكر أن يكون مثله شيء ؟
فقل : من قبل ما احتمل هذا الخلق من الحاجة والزيادة والنقصان فلذلك علمت أنه ربه وأنه "ليس كمثله شيء" لأنا إذا زعمنا أنه خالق ومثله مخلوق فقد شبهناه بخلقه، فمن ها هنا فسد أن يكون شبهه شيء.
[ الدليل على معرفة الله وأنه غير مشبه لخلقه ]
فإن قال : أخبرني، عن هذا الذي وصفته أنك إنما تعرفه بخلقه أين هو ؟
فقل : إنما يقال أين ومتى وإلى/[2] في المخلوقين. فتقول : أين وأنت تعني بقولك أين مكانا دون مكان.وتقول : متى، فيقال لك : منذ عام أو عامين، أو شهرا أو شهرين، أو يوما أو يومين، ونحو ذلك والله يتعالى عن هذه الصفات.
[ الفرق بين الواحد من البشر والواحد (الله) ]
فإن قال : أخبرني عن إلهك الذي وصفته أنك إنما تعرفه بغير ما عرفت به الخلق الذليل المقهور المربوب أواحد هو ؟
فقل : نعم. فإن قال : وأنت واحد أيضا فقل : نعم.
¬__________
(¬1) **) سورة الشورى : 11.وجوابه هنا هو أن الإنسان إنما عرف ربه بخلقه وتدبيره وصنعته ، وذلك أنه نظر إلى الخلق فوجده ذليلا ، فعرف أن له مذلا عزيزا أذله ، ووجده مقهورا فعرف أن له قاهرا يقهره ، لأن الذليل المقهور ، المغلوب المربوب ، لا يكون عزيزا مذلا لغيره ، ولا قاهرا ، ولا غالبا ، ولا ربا . ولما كان الخلق مقهورا ، كان الخالق قاهرا.فعرفوا بهذا المعنى أن الخالق لا يكون في صفة الخلق .
Sayfa 12