والخطيطة: أرض لم يصبها مطر، بين أرضين ممطورتين وتعشار: موضع؛ تداعى السحاب: أي أقبل يدعو بعضها بعضًا؛ والأقطار: النواحي؛ فعفى الآثار: أي طمس الطرق؛ وقوب عادي الأشجار: أي قلعها من أصولها؛ أجحر الحضار: أي ألزمهم بيوتهم، ومنع المسافرين عن الحركة؛ وأقلع عن نفع وإضرار: يقول: نفعت عواقبه ولو ضر لكثرته؛ إتلأبت القيعان: أي وضحت؛ ووضحت الغيطان: أي استبانت الطرق؛ العنان: السماء، الواحدة عنانة، والأعنان؛ نواحي السماء، واحدها عنن وعن، قال الأصمعي: لا أعرف لها واحدًا.
وقوله: فلم أجد وزرًا: أي ملجأً؛ والغيران: واحدها غار، وهو الكهف في الجبل؛ فقاءت جار الضبع: قاءت من القيء، وهذا غاية ما يوصف به المطر من الكثرة، والمعنى أنه يجر الضبع من وجارها؛ غادرت: تركت السهول كالبحار، يقول: كثر الماء فلم يسخ في السهول لكثرته، وسرب السهل من الماء أكثر من الحزن؛ فإذا بقي الماء على السهل فهو الغاية؛ والتيار: الموج؛ والحزون متلفعة بالغثاء: الحزون: الغلظ من الأرض، فإذا حمل السيل الغثاء فصار على الحزون نضب الماء من تحته فبقي في موضعه، والوحوش مقذوفة على الأرجاء، يقول: قد غرقت الوحوش فهي مطروحة على أرجاء الأرض أي نواحيها.
وقوله: فما زلت أطأ السماء: أي أطأ المطر، والعرب تسمي آثار المطر في الأرض السماء.
أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: وقف أعرابي على قوم من الحاج فقال: يا قوم، بدو شاني، والذي ألفجني إلى مسألتكم، أن الغيث كان قد قوي عنا، ثم تكرفأ السحاب، وشصا الرباب، فادلهم سيقه، وارتجس ريقه، وقلنا: هذا عام باكر الوسمي، محمود المسي، ثم هبت له الشمال، فاحزألت طخاريره، وتقزع كرفئه متياسرًا، ثم تتابع لمعان البرق حيث تشيمه الأبصار وتحده النظار؛ ومرت الجنوب ماءه، فقوض الحي مزلئمين نحوه، فسرحنا المال فيه، وكان وخمًا، فأساف المال، وأضف الحال، فرحم الله امرءًا جاد بمير، أو دل على خير.
تفسيره - قوله: ألفجني، أي اضطرني، قال أبو زيد: ألفجني إلى ذلك الاضطرار إلفاجًا.
وقوله: الغيث قوي عنا: أي احتبس عنا، قال أبو عمرو الشيباني: وقد قوي المطر يقوى إذا احتبس.
وقوله: شصا الرباب ارتفع.
وقوله: فادلهم سيقه، ادلهم أظلم، والسيق من السحاب ما طردته الريح، وارتجس ريقه: ريق المطر أول شؤبوبه، وارتجس سمعت له رجسًا، وهو صوته بهدة شديدة.
والسمي جمع السماء أي السحاب، وتجمع على أسمية وسموات. واحزألت طخاريره: أي انتصبت سحائبه الرقاق جمع طخرور وطخرورة، وهي سحابة رقيقة مستدقة.
وتقزع كرفئه أي تفرق متراكمه، وفي الصحاح: الكرفي السحاب المرتفع الذي بعضه فوق بعض، والقزع في الأصل: كل شيء يكون قطعًا متفرقة، ومنه قيل لقطع السحاب قزع.
وقوله: مزلئمين نحوه، المزلئم الذاهب مسرعًا، أو المرتفع في سيره، ومر بنا ازلأمت صدوره أي ارتفعت وانتصبت.
قوله: فأساف المال، قال ابن السكيت: أساف الرجل إذا هلك ماله، ويقال: أساف الله ماله وإبله أي أهلكه ورماه الله بالسواف: وهو الموت في المال والناس أيضًا.
وأضف الحال: أي ضيقها، قال أبو زيد: الضفف الضيق والشدة.
أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: قلت لأعرابي: ما أسح الغيث؟ فقال: ما ألحقته الجنوب ومرته الصبا، ونتجته الشمال؛ ثم قال: أهلك والليل، ما يرى إلا أنه قد أخذه المطر.
أخبرنا أبو حاتم عن العتبي قال: حدثني أبي قال: خرج الحجاج إلى ظهرنا هذا، فلقي أعرابًا قد انحدروا للميرة فقال: كيف تركتم السماء وراءكم؟ فقال متكلمهم: أصابتنا سماء بالمثل مثل القوائم حيث انقطع الرمث بضرب فيه تقتير، وهو على ذلك يعضد ويرسغ؛ ثم أصابتنا سماء أميثل منها تسيل الدماث والتلعة الزهيدة، فلما كنا حذاء الحفر أصابنا ضرس جود ملأ الإخاذ، فأقبل الحجاج على زياد بن عمرو العتكي فقال: ما يقول هذا الأعرابي؟ فقال: وما أنا وما يقول؟ إنما أنا صاحب رمح وسيف فقال: بل أنت صاحب مجذاف وقلس، اسبح، فجعل يفحص الثرى، ويقول: لقد رأيتني، وإن المصعب ليعطيني مائة ألف، وها أنا ذا أسبح بين يدي الحجاج!
1 / 8