بعد أن غرسنا الكرنب صرنا نتجول كل دقيقة بين الشتلات، نرعاها، نصفق لها، نغني لها، نبعد الحشرات عنها، ننام بالقرب منها. كل يوم نشعر أن غضب الجدار اقترب من مزرعتنا، وحين نكون جالسين، نسمع طلقات نارية بالقرب منا، فيشير إلينا جدي، أن ننبطح أرضا ولا نتحرك. ولكن الجنود يحبون اللعب معنا ألعابا ثقيلة، وفي لحظة يلقون عشرات القنابل المسيلة للدموع.
الدخان ينتشر في المكان، لا يرى بعضنا بعضا، كان يغمى علينا من السعال والدموع وحرقة العيون، ونحن نلاحق كل قنبلة بدلو ماء كبير نريقه على الدخان. في أوقات كثيرة لا يتمكن الماء من إخماد الدخان. فكنا نصنع غطاء من القماش الكبير، أمسك أنا ومزيون طرفا، ويمسك جدي طرفا آخر، لنكون جاهزين لأي قنبلة تنفجر في المكان، ونلقي قطعة القماش في الهواء باتجاه القنبلة، كمشهد الصياد حين يلقي شبكته لصيد السمك القريب من الشاطئ.
غالبا لا نستطيع إخماد الدخان، فأكثر من قنبلة تسقط في وقت واحد، ويصعب علينا إخمادها، فيغمى علينا. وحين يغمى علي، أتخيل أن جواد يحمل قنينة الكالونيا، ويمرر رائحتها على أنفي، شكرا يا جواد، يا فارس الكالونيا.
كان جدي يرش عطر الكالونيا في الماء دون سبب، قبل أن نضخه لشتلات الكرنب.
البالون
نحن لا نعرف حتى الآن أننا ندافع بشكل سليم، ولكن ما نخشاه أن تموت الشتلات قبل أن ترقص مع الفضاء الأزرق.
هناك فرصة جيدة للدفاع عن الكرنب، ولكن بهدف الدفاع عن الأرض، عن حلم الجدة. نحن في مهب الريح، ولا بد أن تكون الشتلات في حالة جيدة، حتى تنتفض مثلنا، وتخرج من الأرض.
الروتين الذي أعيشه الآن علمني الحب، والصبر على روح الكرنب، ولو كان الأمر بيدي في تلك اللحظة، لدخلت في بطن الأرض، ورجوت الشتلات أن تكبر.
كنت أركع أمام الشتلات كعابد بوذي، وأضع يدي على الأرض، وأتمتم بكلمات.
حاولي أن تتحدي ضعف الانتظار، واجعليني أحبك كما يجب أن نحب. أنت الآن كل الأحلام، ولكن لا تأخذي روحي إلى العتمة بعيدا. أنت دائما قريبة مني؛ علمتني نضال الروح على التحمل. أبعدي الشك في الارتفاع إلى الفضاء، وتنفسي الصعداء. نحن ننتظرك، نشعر أننا بالون الطفل الأخير، طار من يد الطفل بعيدا إلى حقل الأشواك، الكل ينتظر أن ينفجر، الطفل يبكي، ولا حيلة لمن يشاهد أن ينقذ البالون.
Bilinmeyen sayfa