بأي دافع نبعثها على الخروج ؟ لو أنا رأيناها، أو لو أنها سمعت صوتنا لكان من الجائز أن تخف لوعتها أو يفل غضبها بما نقدم لها من أسباب العزاء، فإنا لا نفتقر إلى الإخلاص لأصدقائها. إذن فلتذهبي إليها، واحمليها على الخروج، وبعذب الخطاب سوقيها إلى هذا المكان. أسرعي أيتها السيدة الودود قبل أن يتفجر حنقها على أولئك الذين بداخل الدار؛ لأن أحزانها البالغة تكاد تبلغ عنان السماء.
المربية :
سأحاول ذلك، وإن كنت أخشى ألا تقنعها حجتي. ولكني سأفعل لأن حماستك الودية تتطلب مني هذا الصنيع. واعلمي أنها تبدو كاللبؤة الغاضبة تحمي أشبالها كلما اقترب منها أحد من عبيدها يتحدث إليها. ولو أنك قلت إن الرجال في سابق العهود كانوا على ضلال، قليلي المعرفة، عديمي الحكمة، لما كنت من الخاطئين؛ ذلك لأنهم كانوا يؤلفون الأناشيد المرحة تشنف الأسماع وتدخل البهجة على الحياة ويتغنون بها في الحفلات والولائم والمآدب، ولكنهم لم يستطيعوا بقوة الموسيقى وبعذب الألحان ومختلف الأنغام أن يخففوا من حدة الأحزان التي تفتت القلب فيرتكب المرء جريمة القتل وأعمال القسوة التي ينجم عنها الخراب والدمار. فلو أن الناس استطاعوا أن يخففوا من لوعة النفس الحزينة بعذب الأناشيد، لكانوا على حكمة وصواب؛ إذ من العبث حين يمتد السماط أن نرفع الصوت بالغناء؛ فالمائدة المثقلة بفاخر الطعام تحمل فوقها متعة تنبه بها القلوب إلى الغبطة والسرور.
الجوقة :
سمعت نواحها مخلوطا بالأنين، وهي تبثه من قلب ضيق مكروب. ويتعالى صياحها على زوجها الخائن الذي غدر بسريرها. وتستغيث بالآلهة على هذه الإساءة الدنيئة. وتشهد ثيمس ابنة جوف التي تقوم على رعاية الأيمان. وهي التي ساقتها إلى شواطئ اليونان عبر المحيط الصاخب حينما كانت حلكة الليل تظلم الموج، ودفعت فلكها خلال البواغيز.
ميديا والجوقة
ميديا :
ها أنا ذا يا فتيات كورنث أخرج من الدار حتى لا تلمنني في شيء. وكم عرفت من أبناء الأشراف ممن ضاع بين الناس احترامهم، إما لأنهم انزووا عن أعين الجمهور، أو لأنهم أسرفوا في الظهور. وقد أحب بعضهم الهدوء والحياة الوادعة فوصموا بالتراخي وفقدان الروح؛ ذلك لأن الإنسان لا يستطيع بمجرد النظر أن يحكم بالحق ويصيب في حكمه. ولو أنك كرهت - عند مجرد النظر - شخصا لم يصبك بسوء، ولم تبلغ قرارة نفسه، فأنت من الخاطئين. وعلى الغريب أن يكون شديد الحرص على أن يتطبع بطبع البلد الذي يعيش فيه. كما أني لا أثني على مواطن يأخذه الكبر وضعف الفكر فيكون مع بني وطنه شاذا سفيها. أما أنا، فإني أنوء تحت عبء الكوارث التي ألمت بي بغير ارتقاب. فقدت يا صاحباتي كل ما هو ممتع في الحياة وكل ما هو جليل. والموت الآن أمنيتي، لأن الرجل الذي أودعه قلبي كل ما يفخر به ويعجب قد دل على خيانته وعلى أنه أسفل إنسان في الوجود. وهكذا نحن النساء أشقى الكائنات جميعا التي تدب فيها الحياة وتتميز بالإدراك. فعلينا أولا أن نشتري زوجا بأعز ما نملك، ثم نجعل من هذا الزوج سيدا. وإن في هذا لمشقة. وأمامنا بعدئذ ما هو أشق من هذا؛ وذلك أن هذا الزوج قد يكون رفيقا وقد يكون طاغيا، وقد تسوء العلاقة فتنحل الروابط الزوجية، وفي هذا إيذاء لسمعة المرأة. كما أنها لا تملك أن تسحب يدها من يد زوجها بعد التعاقد؛ ومن ثم فإن أولئك اللائي ينتقلن من أوطانهن ويعشن في بلد جديد يجهلن عادات أهله وشرائعهم بحاجة عند اختيار الزوج إلى روح ملهمة؛ لأنهن لم يعرفن هذا البلد الجديد وهن في الأوطان. فإن كنا بكل حرصنا نظفر بزوج رفيق، زوج لا يخضعنا لنير الحقد والضغينة؛ فالحياة سعيدة حقا. وإلا فالموت إلى نفوسنا أحب. إن الرجل إذا لم يجد في البيت ما يسره هرع إلى الخارج يلتمس الفرج بين أترابه وخلانه، فيصرف عن نفسه كربتها. ولكنا لا نملك إلا أن نوجه أبصارنا إلى فرد واحد. وبرغم هذا يقولون عنا إنا نحيا في بيوتنا حياة مطمئنة، آمنة من الخطر، في حين أنهم يحملون الحراب إلى الحروب. تالله لقد أخطأ الرجال الحكم! وإنه لخير لي أضعافا أن أحمل السلاح في حومة الوغى على أن أكابد آلام الوضع مرة واحدة. ولكنكن لا تحسسن بما في كلماتي هذه من قوة كما أحس، فهذي بلادكن، وتلك بيوت آبائكن، ولكن الثراء الذي يخفف عبء الحياة، ولكن عشرة الخلان الحلوة العذبة. ولكني بائسة منبوذة، مهملة، أساء إلي زوجي إساءة دنيئة بعدما حملت له هدية من بلد غريب. ليس لي هنا أم ولا أخ ولا قريب يقيني هذه النائبة، غير أني أطلب إليكن هذا المعروف اليسير؛ إذا فكرت في مكيدة أو رسمت خطة كي أنتقم لنفسي عدلا من زوجي إزاء هذه الشرور، فالزمن الصمت أمام ذلك الذي وهبه ابنته وتلك التي اقترن بها؛ لأن المرأة بطبعها هيوب، ضعيفة الإعداد لأعمال الشجاعة الباسلة، تخشى السيف المسلول، ولكنها إن أسيء إليها في سرير الزوجية تحس بالغضب يملأ جوانب نفسها وتتعطش للدماء.
الجوقة :
سأفعل هذا. وإنك في طلب الانتقام لعادلة. ولا عجب أن تملأ الإساءة جوانح نفسك بالهم والغم. ولكن، انظري! ها هو ذا كريون ملك هذي البلاد يقبل، ورأسه - على ما يبدو - مفعم بطريف الآراء.
Bilinmeyen sayfa