Şevki'nin Tiyatro Oyunları Üzerine Dersler: Hayatı ve Şiiri
محاضرات عن مسرحيات شوقي: حياته وشعره
Türler
ولقد سبق أن لاحظنا كيف أن شوقي قد جمع في «مصرع كليوباترة» بين قصتي غرام، هما غرام كليوباترة وأنطونيو، ثم غرام حابي وهيلانة، وانتقدنا في حق وشدة هذا الازدواج الذي أفسد المسرحية لعدم ارتباط أحد الغرامين بالآخر، بل وإضراره بالأثر النفسي النهائي في مأساة «كليوباترة»؛ إذ رأينا شوقي لا ينزل الستار بعد انتحار البطلة، بل يتركه مرفوعا لنشاهد حابي المصري - الذي كان ساخطا في أول الأمر على عبث كليوباترة واستهتارها - يذهب مع هيلانة وصيفة تلك الملكة الخليعة إلى الضيعة التي أقطعتها كليوباترة لحابي وهيلانة في أرض الصعيد اصطناعا لمودة حابي وقتلا لروح التذمر الوطني في نفسه، وها نحن نشهد في مسرحية «عنترة» أيضا غراما مزدوجا بين عنترة وصخر من ناحية، وبين عبلة وناجية من ناحية أخرى، ولكن شتان بين الازدواج في هذه المسرحية والازدواج في «مصرع كليوباترة»! مما يدل على أن خبرة شوقي بالفن «الدراماتيكي» قد استقامت، فحققت تقدما عظيما في أصول ذلك الفن، فهنا نرى شوقي يستفيد من هذا الازدواج؛ ليربط كل شخصيات الرواية الأساسية بعضها ببعض، ويوسع من دائرة الصراع والتضارب، فصخر يريد عبلة زوجا له، ولكنها لا تريده بل تريد عنترة، وناجية تريد صخرا، ولكنه لا يريدها بل يريد عبلة، وإذا كان شوقي لم يوضح خيوط المؤامرة المسرحية التي تمت بين هذه الأشخاص الأربعة الأساسية في الوصول بالمسرحية إلى الحل الذي اختاره، فإن من السهل أن نحس بهذه المؤامرة المحكمة خلال عرضه المسرحي.
وبالرغم من هذا التقدم الملحوظ عند شوقي في فن بناء المسرحية، فإننا لا نزال نلاحظ ما أخذناه عليه في مسرحية «مجنون ليلى» بنوع خاص من عدم استغلاله للصراع النفسي العميق الذي كان من الممكن أن يكسب مسرحيته قيمة «دراماتيكية» وإنسانية عالية، وإذا كانت ليلى في مسرحية المجنون قد استسلمت للتقاليد العربية استسلاما سهلا مذهلا، فاختارت الزواج من ورد الثقفي، عندما خيرها أبوها بينه وبين قيس، دون أن نحس بما كنا ننتظره من صراع نفسي قوي قبل أن تلجأ إلى هذا الاختيار، فإننا نلاحظ هنا أن عبلة لم تتعرض هي الأخرى لأي صراع نفسي ملموس، وإن يكن اختيارها في هذه المسرحية قد جاء على نقيض اختيار ليلى، فهي لم تستسلم لتقاليد العرب، ولم تشعرنا - في أي موقف - بإحساسها بوطأة هذه التقاليد وجبروتها، وذلك بالرغم من أنها كانت أشد قسوة في قصة عنترة، وكان مالك والد عبلة أعنف في خضوعه لها، وتمسكه بها إلى حد طلبه رأس عنترة مهرا لابنته من خاطبيها، ومع كل هذا نفاجأ في خاتمة المسرحية، بتآمر عبلة على الزواج رغم أنف التقاليد، ورغم أنف أبيها وذويها، وهذا موقف يبدو غريبا من الفتاة العربية أيام الجاهلية، وذلك ما لم نفترض أن شوقي قد أراد أن يجعل من عبلة بطلة شامخة متمردة على مواضعات اجتماعية فاسدة، ولكن هذا الفرض لا نلمس له مظاهر في المسرحية، وإنما تتم المؤامرة في سرعة وخفة كانقلابات المسرح الهزلية، في غير تمهيد ولا إظهار للأصول النفسية البعيدة التي تبرر مثل هذا الانقلاب، وكأن شوقي بهذا التصرف قد مر مرورا عابرا بجوار مواقف «دراماتيكية» وإنسانية، بل وأخلاقية بالغة القوة دون أن يفطن إليها، أو يحسن استغلالها، فيخلق شخصيات بشرية عاتية، كشخصيات كبار المؤلفين الغربيين، الذين ضمنوا الخلود بقدراتهم على الخلق، وثورتهم على الأوضاع الفاسدة، أو قيادتهم للبشر في سبيل الخير والكمال.
وبالرغم من أن قصة عنترة تصلح بطبيعتها لأن تكون «أوبرا» أو «أوبريت»، بقدر ما تصلح لأن تكون «دراما» أو ملهاة، تعتمد على الحوار والحركة المسرحية فحسب، فإننا نلاحظ أن شوقي قد استجاب لما أخذ على مسرحياته الأولى من الاسترسال في القصائد الغنائية التي تعطل من سير الحوار، وتؤدي إلى بطء الحركة المسرحية فتخفف في «عنترة» من هذا العنصر، وجاءت مسرحية أقرب من هذه الناحية إلى حقيقة «الفن» الدرامي من المسرحيات السابقة.
أميرة الأندلس
هذه هي المسرحية الوحيدة التي كتبها شوقي نثرا، وذلك بالرغم من أن حوادثها تدور حول شاعر ملك، هو المعتمد بن عباد الأندلسي آخر ملوك الطوائف في إشبيلية، بل وبالرغم من تضمين شوقي مسرحيته مقطوعة من شعر ذلك الملك، ونحن لا ندري لماذا عدل شوقي في هذه المسرحية عن الشعر الذي كان خليقا بأن يواتي موضوعها، وذلك في الوقت الذي نراه يكتب بالشعر الملهاة الوحيدة التي كتبها في أخريات حياته، وهي «الست هدى»، التي استمد موضوعها من الحياة المصرية المعاصرة، في حي الحنفي بالسيدة زينب، وكان النثر - بل وربما النثر العامي - أكثر مواتاة لها، ولكنه شيطان الشعراء، الذي لا يخضع لمنطق، ولا يتقيد بأوضاع.
لقد كتب شوقي «أميرة الأندلس» نثرا، ولكن لحسن الحظ تخلص في هذا النثر - إلى حد بعيد - من تلك الصنعة المضنية العقيمة، التي نجدها في كتابه «مروج الذهب» بنوع خاص، فنثره في المسرحية مرسل في الغالب الأعم، وهو لا يلجأ إلى الصنعة والسجع والمحسنات إلا في المقطوعات الطويلة من الحوار، حيث ظن أن الحليات اللفظية قد تقي من الملل الذي قد يتسرب إلى نفوس المشاهدين أو القراء، على نحو ما كان يستعين بملكة الشعر على المقطوعات الطويلة في مسرحياته الشعرية.
وقصة المعتمد بن عباد استقاها شوقي من كتاب «المقري» المعروف ب «نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب»، ولكنه لم يكتف بالوقائع التاريخية المحزنة الخاصة بانقراض الطوائف في إشبيلية، بل زاوج بينها وبين قصة خيالية نسجها حول حب بثينة بنت المعتمد للفتى العربي «حسون»، وانتهائهما بالزواج في سجن «أغمات» بشمال إفريقية، حيث استقر المقام بالمعتمد بن عباد، بعد أن قضى ابن تاشفين - ملك المرابطين بإفريقية - على ملكه، وكان المعتمد قد اضطر إلى أن يستعين به لرد عدوان الإفرنج.
ولقد احترم شوقي حقائق التاريخ في مسرحيته بوجه عام، على نحو ما احترمها الأستاذ على الجارم في كتابه «شاعر ملك»، وإن لم يحلل بالطبع في مسرحيته أسباب انهيار ذلك الملك الشامخ على نحو ما فعل الأستاذ الجارم، ولكن القصة الخيالية لم ينجح شوقي في ربطها ربطا وثيقا بالكارثة الأساسية، حتى لتبدو قصة مفتعلة اصطنعها شوقي لظنه أن مسرحية ناجحة لا يصح أن تخلو من قصة غرام، ثم لرغبته فيما يبدو في تخفيف وقع تلك الكارثة الأندلسية، التي طالما حزن لها وتغنى بها في شعره، وبخاصة بعد أن عاش في الأندلس، وجاب خلالها، وتعرف على معالمها وآثارها الإسلامية الرائعة، أثناء نفيه بإسبانيا خلال الحرب العالمية الأولى.
ونحن قد لا نماحك شوقي في طبيعة ومعقولية قصته المسرحية، التي نراه يجمع فيها بين إشبيلية وأغمات، كما يجمع بين الواقع المحزن والخيال الرومانتيكي المجنح، وذلك باعتبار أن الآداب المختلفة - وبخاصة الرومانتيكية منها - قد فعلت أكثر مما فعله شوقي، فنقلت ميدان المسرحية من الشرق إلى الغرب، ورفعت أحداثها من حضيض الأرض إلى سماوات الخيال، غير عابئة بما يقال من أن كل مسرحية ما هي إلى قطاع من الحياة لا يجوز أن يعدو الزمان والمكان المعقولين، زاعمة أن المسرحية ليست محاكاة للحياة، بل خلقا يؤلف الخيال بين عناصره على نحو يجلو غامضا، أو يسري هما، أو يتمخض عن عبرة.
نقول: إننا قد لا نماحك شوقي باسم الأصول الكلاسيكية، ولكننا في الحق لا نستطيع أن نغفل عجزه عن ربط موضوعه الخيالي بالمأساة التاريخية، كما لا نستطيع أن نغفل إضعافه للأثر النفسي الذي كان من الممكن أن تحدثه تلك المأساة الإسلامية المحزنة، وبخاصة إذا كان هذا الإضعاف قد تم بحيلة مسرحية غريبة تكاد تكون مضحكة، وهي حرص حسون وبثينة على التسلل إلى سجن المعتمد في «أغمات» لعقد قرانهما بداخله، وبذلك تنقلب تلك المأساة إلى ملهاة مصطنعة، إن لم نقل إلى مهزلة.
Bilinmeyen sayfa